يعملون من الغيب أشياء ويعلمون ما في غد ، ثم دخل المحراب فقام يصلي متكئا على عصاه فمات قائما وكان للمحراب كوى بين يديه وخلفه وكانت الجن يعملون تلك الأعمال الشاقة التي كانوا يعملون في حياته و [هم](١) ينظرون إليه يحسبون أنه حي ولا ينكرون احتباسه عن الخروج إلى الناس لطول صلاته قبل ذلك ، فمكثوا يدأبون له بعد موته حولا كاملا حتى أكلت الأرضة عصا سليمان ، فخرّ ميتا فعلموا بموته.
قال ابن عباس : فشرك الجن الأرضة فهم يأتونها بالماء والطين في جوف الخشب (٢).
فذلك قوله : (ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ) ، وهي الأرضة التي ، (تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ) ، يعني عصاه ، قرأ أهل المدينة وأبو عمرو (٣) «منساته» بغير همز ، وقرأ الباقون بالهمز وهما لغتان ، ويسكن ابن عامر الهمز ، وأصلها من نسأت الغنم أي زجرتها وسقتها ومنه نسأ الله في أجله أي أخره ، (فَلَمَّا خَرَّ) ، أي سقط على الأرض ، (تَبَيَّنَتِ الْجِنُ) ، أي علمت الجن وأيقنت ، (أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ) ، أي في التعب والشقاء مسخّرين لسليمان وهو ميت يظنونه حيا ، أراد الله بذلك أن يعلم الجن أنهم لا يعلمون الغيب ، لأنهم كانوا يظنون أنهم يعلمون الغيب ، لغلبة الجهل عليهم. وذكر الأزهري : أن معنى تبينت الجن ، أي ظهرت وانكشفت الجن للإنس ، أي ظهر أمرهم أنهم لا يعلمون [الغيب](٤) لأنهم كانوا قد شبهوا على الإنس ذلك ، وفي قراءة ابن مسعود وابن عباس «تبينت الإنس أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين» أي علمت الإنس وأيقنت ذلك ، وقرأ يعقوب : «تبينت» بضم التاء [والباء](٥) وكسر الياء أي أعلمت الإنس الجن ، ذكر بلفظ ما لم يسم فاعله ، وتبين لازم ومتعد ، وذكر أهل التاريخ أن سليمان كان عمره ثلاثا وخمسين سنة ، ومدة ملكه أربعون سنة ، وملك يوم ملك وهو ابن ثلاث عشر سنة ، وابتدأ في بناء بيت المقدس لأربع سنين مضين من ملكه.
(لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (١٥) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (١٦))
قوله عزوجل : (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ).
[١٧٥٩] روى أبو سبرة النخعي عن فروة بن مسيك القطيعي ، قال : قال رجل : يا رسول الله أخبرني
__________________
[١٧٥٩] ـ جيد ، أخرجه الترمذي ٣٢٢٢ والطبري ٢٨٧٨٢ و ٢٨٧٨٣ ٢٨٧٨٤ والحاكم ٢ / ٤٢٤ من حديث فروة بن مسيك.
ـ وحسنه الترمذي ، وسكت عليه الحاكم ، والذهبي.
ـ وورد من حديث ابن عباس أخرجه الحاكم ٢ / ٤٢٣ وصححه ، ووافقه الذهبي.
ـ ومن حديث يزيد بن حصين أخرجه الطبراني ٢٢ / ٢٤٥.
ـ وقال الهيثمي في «المجمع» ٧ / ٩٤ ـ ٩٥ رجاله رجال الصحيح ، غير على بن الحسن شيخ الطبراني لم أعرفه ا ه.
قلت : ترجمه الخطيب في «تاريخه» ١١ / ٣٧٦ فلم يذكر فيه جرحا ، فالحديث قوي بهذه الشواهد والطرق ، وقد حسنه ابن كثير ، وقوّاه في «تفسيره» ٣ / ٥٣٨ ـ ٥٣٩.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) هو بعض خبر مطول ، وهو من الإسرائيليات.
(٣) تصحف في المطبوع «عمر».
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) سقط من المطبوع.