التي كانت عندها فتغلغلت في السد فثقبت وحفرت حتى أوهنته للسيل ، وهم لا يدرون بذلك فلما جاء السيل وجد خللا فدخل فيه حتى قطع السد ، وفاض على أموالهم فغرقها ودفن بيوتهم الرمل ، فتفرقوا (١) وتمزقوا حتى صاروا مثلا عند العرب ، يقولون صار بنو فلان أيدي سبأ وأيادي سبأ أي تفرقوا وتبددوا ، فذلك قوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) ، (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ).
قرأ العامة بالتنوين ، وقرأ أهل البصرة : «أكل خمط» بالإضافة ، الأكل الثمر ، والخمط الأراك وثمره يقال له البرير ، هذا قول أكثر المفسرين ، وقال المبرد والزجاج : كل نبت قد أخذ طعما من المرارة حتى لا يمكن أكله هو خمط.
وقال ابن الأعرابي : الخمط ثمر شجرة يقال له فسوة الضبع ، على صورة الخشخاش يتفرك ولا ينتفع به ، فمن جعل الخمط اسما للمأكول فالتنوين في أكل حسن ، ومن جعله أصلا وجعل الأكل ثمرة فالإضافة فيه ظاهرة ، والتنوين (٢) سائغ تقول العرب : في بستان فلان أعناب كرم [وأعناب كرم](٣) ، يترجم عن الأعناب بالكرم لأنها منه ، (وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ) ، فالأثل هو الطرفاء ، وقيل : هو شجر يشبه الطرفاء إلا أنه أعظم منه ، والسدر [شجر معروف وهو](٤) شجر النبق ينتفع بورقه لغسل اليد ويغرس في البساتين ، ولم يكن هذا من ذلك ، بل كان سدرا بريا لا ينتفع به ولا يصلح ورقه لشيء ، قال قتادة : كان شجر القوم من خير الشجر فصيّره الله من شر الشجر بأعمالهم.
(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ (١٧) وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١٨) فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (١٩) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٠))
(ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) ، أي ذلك الذي فعلنا بهم جزيناهم بكفرهم ، (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) ، قرأ حمزة والكسائي وحفص ويعقوب «وهل نجزي» بالنون وكسر الزاي ، (الْكَفُورَ) نصب لقوله : (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ) ، وقرأ الآخرون بالياء وفتح الزاي ، «الكفور» رفع أي وهل يجازي مثل هذا الجزاء إلّا الكفور ، وقال مجاهد : يجازي أي يعاقب. ويقال في العقوبة : يجازي ، وفي المثوبة يجزي (٥) ، قال مقاتل : هل يكافأ بعمله السّيّئ إلا الكفور لله في نعمه. قال الفراء : المؤمن يجزى ولا يجازى أي يجزى للثواب بعمله ولا يكافأ بسيّئاته.
(وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) بالماء والشجر هي قرى الشام ، قرى ظاهرة ، متواصلة تظهر الثانية من الأولى لقربها منها ، وكان متجرهم من اليمن إلى الشام فكانوا يبيتون بقرية ويقيلون بأخرى وكانوا لا يحتاجون إلى حمل زاد من سبأ إلى الشام.
__________________
(١) في المخطوط «ففرقوا».
(٢) في المخطوط ـ ب ـ «فالتنويع».
(٣) سقط من المطبوع و ـ ط ـ.
(٤) سقط من المطبوع.
(٥) زيد في المطبوع و ـ أ ـ و ـ ط ، وفي المخطوط «يكافئ».