فإن قلت : إنّ مجرّد دلالة الآية على ما ذكر لا يوجب قبول (*) الخبر ؛ لبقاء احتمال خطأ العادل فيما أخبر وإن لم يتعمّد الكذب ، فيجب التبيّن في خبر العادل أيضا لاحتمال خطائه وسهوه ؛ وهو خلاف الآية المفصّلة بين العادل والفاسق ، غاية الأمر وجوبه في خبر الفاسق من جهتين وفي العادل من جهة واحدة. قلت : إذا ثبت بالآية عدم جواز الاعتناء باحتمال تعمّد كذبه ، ينفى احتمال خطائه وغفلته واشتباهه بأصالة عدم الخطأ في الحسّ ؛ وهذا أصل عليه إطباق العقلاء والعلماء في جميع الموارد. نعم ، لو كان المخبر ممّن يكثر عليه الخطأ والاشتباه لم يعبأ بخبره ؛ لعدم جريان أصالة عدم الخطأ والاشتباه ؛ ولذا يعتبرون في الشاهد والراوي الضبط ، وإن كان ربّما يتوهّم الجاهل ثبوت ذلك من الإجماع ، إلّا أنّ المنصف يشهد بأنّ اعتبار هذا في جميع موارده ليس لدليل خارجيّ مخصّص لعموم آية النبأ ونحوها ممّا دلّ على وجوب قبول قول العادل ، بل لما ذكرنا من أنّ المراد بوجوب قبول قول العادل رفع التهمة عنه من جهة احتمال تعمّده الكذب ، لا تصويبه وعدم تخطئته أو غفلته.
ويؤيّد ما ذكرنا : أنّه لم يستدلّ أحد من العلماء على حجّية فتوى الفقيه على العامي بآية النبأ ، مع استدلالهم عليها بآيتي النفر والسؤال (١). والظاهر : أنّ ما ذكرنا ـ من عدم دلالة الآية وأمثالها من أدلّة قبول قول العادل على وجوب تصويبه في الاعتقاد ـ هو الوجه فيما ذهب إليه المعظم (٢) ، بل أطبقوا عليه كما في الرياض (٣) من عدم اعتبار الشهادة في المحسوسات إذا لم تستند إلى الحسّ ، وإن علّله في الرياض بما لا يخلو عن نظر : من أنّ الشهادة من الشهود وهو الحضور ، فالحسّ مأخوذ في مفهومها.
والحاصل : أنّه لا ينبغي الإشكال في أنّ الإخبار عن حدس واجتهاد ونظر ليس حجّة إلّا على من وجب عليه تقليد المخبر في الأحكام الشرعيّة ، وأنّ الآية ليست عامّة لكلّ خبر ودعوى خرج ما خرج.
فإن قلت : فعلى هذا إذا أخبر الفاسق بخبر يعلم بعدم تعمّده للكذب فيه ، تقبل شهادته فيه ؛ لأنّ احتمال تعمّده للكذب منتف بالفرض ، واحتمال غفلته وخطائه
__________________
(*) في بعض النسخ : بدل «قبول» ، مقبولية.