٤ ـ جاءت الروايات في تفسير الطبري طويلة مفصّلة بينما نراها تتّسم بالاختصار الشديد في التفاسير السابقة.
٥ ـ رأينا أنّه من التفاسير القديمة ما اختصّ بالجانب الروائي ، فكان الاهتمام فيها يتمثّل في تحديد المعنى اللغوي للألفاظ ، وذكر القراءات ، أو ما جاء في الآية من سبب نزول ، أو نسخ أو بيان مبهم ...
أما التفاسير ذات الطابع اللغوي البلاغي فإن الاهتمام فيها كان باللغة مع بيان مجازات العرب في استخدامها ، وتدعيم ذلك بالاستشهاد بالشعر العربي خاصّة. وبالمقارنة مع تفسير الطبري في هذا المجال نرى الطبري قد تبنّى هذين المنهاجين ووظفهما معا في تفسيره.
٦ ـ أضاف الطبري عنصرا يكاد يكون مفقودا لدى الجميع وهو عنصر النّقد الذي يميّز به بين الأقوال المختلفة ، فيجيز ما يراه الأقرب إلى الصّواب معلّلا اختياره بحجج نصّية ، أو علمية ، أو منطقية.
يحيى بن سلام الحلقة الممهّدة لظهور تفسير الطبري
إنّ هذه المقارنة بين تفسير الطبري والتفاسير السابقة تبرز فجوة كبرى بينها وبينه ، وتجعل التواصل الزمني بينهما أمرا مستبعدا ، فلا بّد من ظهور مرحلة انتقالية تكون مواصلة لما تقدّمها ، ممهّدة لظهور تفسير تكامل فيه المنهج وتعمّقت فيه المباحث مثل تفسير الطبري.
وكان الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور أوّل من نبّه إلى هذا بقوله : " إن الحلقة التي يتمّ بها اتّصال السلسلة وضاعت على الكاتبين المحدثين في تاريخ التفسير ... هي حلقة إفريقية تونسية بالوقوف عليها يتّضح كيف تطوّر فهم التفسير عمّا كان عليه في عهد ابن جريج إلى ما أصبح عليه في تفسير الطبري ويتّضح لمن كان الطّبري مدينا بذلك المنهج الأثري النظري الذي درج عليه في تفسيره العظيم" (١).
إن التّفسير الذي قصده الشيخ ابن عاشور في هذه العبارة هو تفسير يحيى بن سلّام" مؤسس طريقة التّفسير النّقدي أو الأثري النظري التي سار عليها من بعده ابن جرير الطبري" (٢) ، وهو الذي نضع اليوم قطعة منه بين أيدي القرّاء الكرام ،
__________________
(١) التفسير ورجاله ، دار الكتب الشرقية ، تونس ، ١٩٦٦ م ، ٢٧.
(٢) ن. م ، ٢٧.