القرن. يقول الشيخ محمد الفاضل ابن عاشور في كتابه : التّفسير ورجاله ما يلي : «إنّ تفسير الطّبري كان منذ قرون مفقودا أو في حكم المفقود ... إلى أن طلعت على النّاس منذ نحو من ستّين سنة طبعته الأولى» (١).
وتعود أهمية هذا التّفسير إزاء ما نحن بصدده إلى كونه قائما على المأثور من الأقوال ، ممّا روي عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم ، أو عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم. فأصبح بذلك وثيقة هامّة ضمّت عددا كبير من التّفاسير كنّا علمنا بوجودها ولم يتيسّر الوقوف عليها إلّا من خلال نقول متناثرة ، من أمثال تفاسير إسماعيل بن عبد الرحمن السّدّي (ت ١٢٧ ه / ٧٤٥ م) والحسن البصري (ت ١١٠ ه / ٧٣٠ م) وعبد الملك بن جريج (ت ١٥٠ ه / ٧٦٨ م) وسفيان الثّوري (ت ١٦١ ه / ٧٧٨ م) وغيرهم.
غير أنّ إيراد الطبري لأقوال هؤلاء وغيرهم لا يعطي فكرة واضحة شاملة عن كلّ ما جاء عنهم ، وبقي الوقوف على آثارهم ذاتها أمرا متأكّدا.
بدأنا بذكر الاكتشافات في التفسير بتفسير الطبري ، وذلك لشدّة أهمّيته. ونستعرض فيما يلي بعض ما تمّ اكتشافه من تفاسير هذه الفترة ، ممّا سبق ظهوره تفسير الطبري ، محاولين بذلك ترسّم خطوات التأليف في التفسير في انطلاقته الأولى ، مع محاولة استخلاص الخصائص المميّزة للتّأليف في هذه الفترة.
بعض ما تمّ اكتشافه من التفاسير القديمة
من التّفاسير التي بلغتنا من القرون الثلاثة الأولى يمكن أن نذكر النماذج الآتية :
١ ـ تفسير مجاهد (ت ١٠٤ ه / ٧٢٣ م).
٢ ـ تفسير سفيان الثوري (ت ١٦١ ه / ٧٧٨ م).
٣ ـ مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنّى (ت ٢١٠ ه / ٨٢٦ م).
٤ ـ معاني القرآن لأبي الحسن سعيد بن مسعدة البصري المعروف بالأخفش الأوسط (ت ٢١٥ ه / ٨٣١ م).
إنّ هذه العينة من التفاسير التي تمّ العثور عليها ، وإن كانت قليلة العدد فإنها تمكّن من ملاحظة أمرين هامين :
__________________
(١) التفسير ورجاله ، دار الكتب الشرقية ١٩٦٦ ، تونس ، ٣٦.