فقالت شكرا لله : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) (١) أي : خالصا ، عتيقا من رق الدنيا ، حبيسا على العبادة ، وسدانة البيت المقدّس.
قال القاضي أبو يعلى ابن الفرّاء رحمهالله : وهذا نذر صحيح في شريعتنا أيضا ، فإنه إذا نذر الإنسان أن ينشّئ ولده الصغير على عبادة الله ، وطاعته ، وأن يعلّمه القرآن والفقه وعلوم الدين ؛ صح النذر (٢).
و «محررا» حال من «ما» (٣). والتّقبّل : الأخذ بالرضى.
(إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ) لدعائي (الْعَلِيمُ) بنيّتي.
(فَلَمَّا وَضَعَتْها) الضمير يرجع إلى قوله : ل (ما فِي بَطْنِي) ، وإنما أنّث حملا على المعنى ، لأن ما في بطنها كانت أنثى في علم الله ، أو على تأويل الحبلة ، أو النفس ، أو النسمة ؛ (قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها) أي وضعت النسمة (أُنْثى) ، وهو كلام يلوح منه أسفها على خيبة رجائها ، فإنها رجته ذكرا ، ولذلك حرّرته للعبادة والسدانة.
وفي قوله : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ) تعريض بتعظيم مريم ، وتجهيل ل «حنّة» بما استودع في تلك الأنثى من السر الإلهي ، ونيط بها من الآية العظيمة.
وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم : " بما وضعت" بسكون العين وضم التاء (٤) ، فيكون من تمام كلامها.
__________________
(١) أخرجه الطبري (٣ / ٢٣٥). وذكره ابن الجوزي في زاد المسير (١ / ٣٧٦).
(٢) زاد المسير (١ / ٣٧٦).
(٣) انظر : التبيان (١ / ١٣١) ، والدر المصون (٢ / ٧١).
(٤) الحجة للفارسي (٢ / ١٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ١٦٠) ، والكشف (١ / ٣٤٠) ، والنشر (٢ / ٢٣٩) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ١٧٣) ، والسبعة في القراءات (ص : ٢٠٤).