أهل حشو ، فتراهم يبادرون إلى تكذيب الأخبار النبوية ، المنقولة على ألسنة العلماء الثقات الأثبات ، بناء على خيالات فاسدة ، يتوهمونها ، لكن شؤم البدعة سلبهم وصف التوفيق ، فحال بينهم وبين التصديق والتحقيق ، وعميت عليهم مسالك الهدى ، فتورّطوا في مهالك الردى. هذا صاحب الكشّاف الزّمخشري يقول في تفسيره (١) : وما روي من الحديث : «ما من مولود ...» ، ثم ساق الحديث إلى آخره ، ثم قال : إن صحّ ، فمعناه : أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه ، إلا مريم وابنها ، واستهلاله صارخا [من مسّه] (٢) تخييل [وتصوير] (٣) لطمعه فيه. وأما حقيقة المس والنخس كما يتوهّم أهل الحشو فكلا ، [ولو] (٤) سلّط إبليس على الناس بنخسهم لامتلأت الدنيا صراخا وعياطا.
قلت : ولست أعجب من قوله عن حديث اتفق أئمة الإسلام على تصحيحه وتدوينه ، وأخرجه الإمام أحمد في مسنده ، والبخاري ومسلم في صحيحيهما : " إن صحّ" ؛ لأن الرجل كان جاهلا بهذا العلم الجليل ، ولكن من صفاقة وجهه في رد الحديث على تقدير التصحيح ، والتمحل لتعطيل اللفظ الصريح ، مع أنه لا منافاة في ذلك بين النقل والعقل ، لأن العقل لا يحيل ذلك لذاته ، ولا يلزم منه محال على تقدير إثباته.
وأما قوله : " لو سلّط إبليس على الناس ينخسهم لامتلأت الدنيا صراخا
__________________
(١) الكشاف (١ / ٣٨٥ ـ ٣٨٦).
(٢) زيادة من الكشاف (١ / ١٨٦).
(٣) زيادة من الكشاف (١ / ١٨٦).
(٤) في الأصل : لو. والتصويب من الكشاف (١ / ١٨٦).