وكشف صاحب الكشاف النقاب عن وجه المعنى ببراعته قرطين في البلاغة بسهم إصابته ، فقال (١) : إدخال الفاء وصل ظاهر بحرف موضوع للوصل ، ونزعها وصل خفي تقديري بالاستئناف الذي هو جواب لسؤال مقدر ، كأنهم قالوا : فماذا يكون إذا عملنا نحن على مكانتنا وعملت أنت ، فقال : [سوف](٢) تعلمون ، فوصل تارة بالفاء وتارة بالاستئناف ، للتفنن في البلاغة كما هو عادة بلغاء العرب ، وأقوى الوصلين وأبلغهما الاستئناف ، وهو باب من أبواب علم البيان تتكاثر محاسنه.
(وَارْتَقِبُوا) انتظروا ما أعول لكم ، (إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) منتظر نزول العذاب المخزي بكم.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : ارتقبوا العذاب ، إني مرتقب من الله الرحمة والثواب (٣).
(وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ) (٩٥)
قوله تعالى : (وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ) قال محمد بن كعب : عذّب أهل مدين بثلاثة أصناف من العذاب ؛ أخذتهم رجفة في ديارهم حتى خافوا أن
__________________
(١) الكشاف (٢ / ٤٠٠).
(٢) في الأصل : فسوف. والتصويب من الكشاف ، الموضع السابق.
(٣) ذكره الواحدي في الوسيط (٢ / ٥٨٧) ، وابن الجوزي في زاد المسير (٤ / ١٥٤).