الخلفاء : عافانا الله وإياك من الفتن ، فقد أصبحت بحال ينبغي لمن عرفك أن يدعو لك الله [ويرحمك](١) أصبحت شيخا كبيرا وقد أثقلتك نعم الله بما فهّمك من كتابه ، وعلّمك من سنة نبيه صلىاللهعليهوسلم ، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء. قال الله تعالى لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) [آل عمران : ١٨٧] ، واعلم أن أيسر ما ارتكبت ، وأخف ما احتملت ، أنك آنست وحشة الظالم ، وسهّلت سبيل الغي بدنوّك ممن لم يؤد حقا ، ولم يترك باطلا حين أدناك ، اتخذوك قطبا تدور عليك رحى باطلهم ، وجسرا يعبرون عليك إلى بلائهم ، وسلّما يصعدون فيك إلى ضلالهم ، فما أيسر ما عمّروا لك في جنب ما خربوا عليك ، [فداو](٢) دينك فقد دخله سقم ، وهيّء زادك فقد حضر السفر البعيد ، وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء ، والسّلام (٣).
قوله تعالى : (فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ) أي : فتصبكم لفحها بركونكم إليهم. وهذه الآية من أشد الآيات النازلة في زجر الظلمة وردعهم.
وقد روي أن الموفق (٤) صلّى خلف إمام فقرأ بها ، فخرّ الموفق مغشيا عليه ، فلما أفاق قال : هذا بمن ركن إلى من ظلم ، فكيف بالظالم (٥)؟.
__________________
(١) في الأصل : يرحمك إذا أصبحت. والتصويب من الكشاف (٢ / ٤٠٩) ، وروح المعاني (١٢ / ١٥٥).
(٢) في الأصل : فدو. والمثبت من فيض القدير (٢ / ٤٠٧).
(٣) انظر هذا الكتاب في : فيض القدير (٢ / ٤٠٧) ، والكشاف (٢ / ٤٠٩) ، وروح المعاني (١٢ / ١٥٤ ـ ١٥٥) ، وحلية الأولياء (٣ / ٢٤٦ ـ ٢٤٩) ، وصفة الصفوة (٢ / ١٦٠ ـ ١٦٣).
(٤) يعني : ابن قدامة المقدسي ، صاحب المغني.
(٥) انظر : الكشاف (٢ / ٤٠٨) ، وروح المعاني (١٢ / ١٥٥).