حفدة إبراهيم الخليل وفروع دوحته ، وما زالت النفوس الشريفة الأبية التي تتقاصر عن منزلة شرف النبوة تستنكف من ذلّ السؤال ، حتى قال بعضهم :
ومن يفتقر منّا يعش بحسامه |
|
ومن يفتقر من سائر الناس يسأل |
وفي وصية قيس بن عاصم المنقري لبنيه : وإياكم والسؤال ، فإنه آخر الكسب.
وقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : مكسبة فيها بعض الريبة ، خير من صدقات الناس (١).
قال المفسرون : لم يتمالك يوسف عليهالسلام حين قالوا : (مَسَّنا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ) عرّفهم نفسه ، فقال معرّضا بذلك : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ)(٢).
وقيل : كان السبب في تعريفهم نفسه : أن يعقوب عليهالسلام كتب إليه كتابا يقول : من يعقوب إسرائيل الله بن إسحاق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله إلى عزيز مصر ، أما بعد :
فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء ، أما جدي فشدّت يداه ورجلاه وألقي في النار ليحرق فأنجاه الله ، وجعلت النار عليه بردا وسلاما. وأما أبي فوضع السكين على قفاه ليقتل ففداه الله (٣). وأما أنا فكان لي ابن وكان أحبّ أولادي إليّ ، فذهب به إخوته إلى البرية ، ثم أتوني بقميصه ملطخا بالدم ، وقالوا : قد أكله الذئب ، فذهبت عيناي من بكائي عليه ، ثم كان لي ابن وكان أخاه من أمه وكنت أتسلى به ، فذهبوا
__________________
(١) ذكره ابن عبد البر في التمهيد (١٨ / ٣٢٩).
(٢) أخرج نحوه الطبري (١٣ / ٥٤) ، وابن أبي حاتم (٧ / ٢١٩٣).
(٣) قلت : هذا على القول بأن الذبيح هو إسحاق ، والصحيح أن الذبيح هو إسماعيل عليهالسلام.