إخوته ، فقال : قد كان أبونا متّصل الحزن لفقد واحد من ولده ، فكيف به إذا أخبر بهلكنا أجمعين ، فرقّ يوسف عند ذلك وكشف لهم عن أمره ، وقال لهم : (هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ)(١).
وهذا استفهام يتضمن معنى التوبيخ والتقريع بعظيم ما فعلوا بيوسف وأخيه من أنواع الأذى.
فإن قيل : الذي فعلوه بيوسف معلوم ، فما الذي فعلوه بأخيه؟
قلت : فعلوا به ضروبا من الأذى ، منها : إدخال الغم عليه بإفراده عنه ، وحزنه لفراقه وجزعه عليه ، وما واجهوه به يوم الصّواع وإخرجه من رحله من الكلام السيء ، إلى غير ذلك من أنواع الأذى ، ذهابا مع الحسد لهما بسبب ميل أبيهما إليهما.
فإن قيل : الذي فعلوه بالأب صلىاللهعليهوسلم أعظم ، فلم لم يوبّخهم بذكره؟
قلت : قد أجاب عنه الواحدي فقال (٢) : لم يذكر أباه تعظيما ورفعا من قدره ، وعلما أن ذلك كان بلاء له من الله ليزيد في درجته عنده.
ويحتمل عندي وجها آخر : وهو أن يقال : وبّخهم على ما كان مقصودا لهم ، وهو أذى يوسف وأذى أخيه ، بسبب ما اشتملوا عليه من الحسد لهما ، وأذى أبيهما لم يكن مقصودا لهم ، وإنما وقع ضمنا وتبعا ، وفي ضمن هذا التوبيخ الاعتداد عليهم بما آل أمرهما إليه من الرفعة والسناء والملك ، ألا ترى إلى قوله عقيب ذلك : (قَدْ مَنَّ اللهُ عَلَيْنا) ... الآية.
(إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ) بقبح معصية الله ، وقطيعة الرحم ، وعقوق الوالد.
__________________
(١) زاد المسير (٤ / ٢٧٩).
(٢) الوسيط (٢ / ٦٣٠).