(إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) أي : يتق الله ويصبر على طاعته وعن معاصيه ، وعلى تصاريف قدره فيه ، (فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) أي : لا يضيع أجرهم ، فوضع المحسنين موضع الضمير ؛ لاشتماله على المتقين الصابرين.
فإن قيل : هل قوله : (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ) من تمام كلام يوسف أو ابتداء كلام من الله تعالى؟
قلت : كلاهما جائز. والذي يظهر لي : أنه من تمام كلام يوسف ومحاورته لإخوته ، ألا ترى إلى قولهم : (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) فقابلوا ما ذكر من التقوى والصبر بما اشتملوا عليه من الخطأ والإثم.
والمعنى : (لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنا) وفضّلك بما امتنّ به عليك بالتقوى والصبر ، (وَإِنْ كُنَّا لَخاطِئِينَ) آثمين في أمرك لم نتق ولم نصبر ، لا جرم أن الله تعالى أعزّك بالملك وأذلّنا بالتّمسكن بين يديك.
(قالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) أي : لا تعيير ولا توبيخ.
قال ثعلب (١) : قد ثرّب فلان على فلان ؛ إذا عدّد عليه ذنوبه (٢).
وقال ابن قتيبة (٣) : أصل التّثريب : الإفساد. يقال : ثرّب علينا ؛ إذا أفسد (٤).
وقال الزمخشري (٥) : أصل التّثريب من الثّرب ؛ وهو الشّحم الذي هو غاشية
__________________
(١) انظر : الوسيط (٢ / ٦٣١) ، وزاد المسير (٤ / ٢٨٢ ـ ٢٨٣).
(٢) انظر : اللسان (مادة : ثرب).
(٣) تفسير غريب القرآن (ص : ٢٢٢).
(٤) انظر : اللسان (مادة : ثرب).
(٥) الكشاف (٢ / ٤٧٣ ـ ٤٧٤).