(وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالاً) إن قيل : قد تكرر هذا في مواضع من القرآن ، وجاء في موضعين بغير «من» وهما في الأنبياء : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً) [٧] ، وفي الفرقان : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [٢٠] فهل بين إثبات «من» وحذفها فرق؟
قلت : «من» لابتداء الغاية ، وذلك الزمان الذي تقدم زمانك ، فإذا قال : «من قبلك» فكأنه قال من ابتداء الزمان الذي تقدم زمانك ، فيشمله بحدّيه ، ويتناول طرفيه ، وإذا حذفت «من» فهو في الاستيعاب كالأول ، إلا أن الأول أوكد لضبطه بذكر الطرفين ، وإنما حذفت من «الأنبياء» بناء على ما تقدم من قوله : (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ) [٦] ، وحذفت في «الفرقان» ولم تؤكد ب «من» ؛ لأن المعتمد إنما هو حال المرسلين وأنهم يأكلون الطعام وليسوا بملائكة ، وهذا رد لقولهم : (لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) [فصلت : ١٤].
والمعنى : ما بعثنا في الأمم الخالية إلا رجالا كانوا على مثل حالك ، فما وجه تعجبهم من إرسالك؟
يوحي إليهم وقرأ حفص : «نوحي إليهم» بالنون هنا وفي النحل (١). (مِنْ أَهْلِ الْقُرى) قال ابن عباس : يريد أهل المدائن ؛ لأن الله تعالى لم يبعث نبيا من أهل البادية ولا من الجن ولا من النساء (٢).
والسرّ فيه : أن أهل البادية يغلب عليهم القسوة والجفاء ، وأهل المدن أعلم
__________________
(١) الحجة للفارسي (٢ / ٤٥٥) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٣٦٥) ، والكشف (٢ / ١٤ ـ ١٥) ، والنشر لابن الجزري (٢ / ٢٩٦) ، وإتحاف فضلاء البشر (ص : ٢٦٨) ، والسبعة في القراءات (ص : ٣٥١).
(٢) وهو قول الحسن أيضا. انظر : الوسيط (٢ / ٦٣٨) ، وزاد المسير (٤ / ٢٩٥) من قول الحسن.