والبراهين القاطعة (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) حتى يكونوا فيه أثبت من الجبال الرواسي ؛ بحيث لا تقلقلهم رهبة ولا تنقلهم رغبة ؛ كأصحاب الأخدود ، والراهب ، والغلام ، وماشطة بنت فرعون ، والسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ، ومن بعدهم من الأمة المقتدى بطرقهم والمهتدى بتحقيقهم ؛ كالإمام المعظم أبي عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله عنه وأرضاه ، بما ابتلي به من الحبس والضرب وامتحن به من التهديد بالقتل ، فصبر واحتسب ، حتى أعلى الله تعالى كلمته وأوقع في القلوب هيبته ومحبته إلى أوليائه ، ونصره بالرعب على أعدائه.
قال بشر الحافي رحمهالله : أحمد بن حنبل دخل في الكير فخرج ذهبة حمراء (١).
ولقد أخذه المعتصم بأنواع العذاب فلم يجبه ، ووعده إن هو أجابه أن يشاطره ملكه ويطأ عقبه بخيله ورجله فلم يتابعه ، وفي مدحه أقول من قصيدة :
فكم أرغبوه بالنضار وباللهى |
|
وكم أرهبوه بالسيوف القواصل |
فلم يلف يوما مذعنا [لشبههم](٢) |
|
ولا مكفهرا عند قرع النوازل |
وكذلك أحمد بن صالح ضربت عنقه ولم يرجع عن السّنّة أيام المحنة ، وكان الإمام أحمد إذا ذكره ترحّم عليه ، وقال : ما كان أسخاه لقد جاد بنفسه (٣).
قوله تعالى : (وَفِي الْآخِرَةِ) فيثبتهم في الآخرة إذا سئلوا عن معتقداتهم وأديانهم في القبور ، وفي تلك المواطن الهائلة.
__________________
(١) الزهد لابن أبي عاصم (ص : ١٠٤) ، والمقصد الأرشد (١ / ٦٩).
(٢) في الأصل : لسيبهم. ولعل الصواب ما أثبتناه.
(٣) تهذيب الكمال (١ / ٥١٠) ، وتاريخ بغداد (٥ / ١٧٧) ، وصفة الصفوة (٢ / ٣٦٤).