أيضا فقالت : قد أسمعت إن كان عندك غواث ، فإذا هي بالملك عند موضع زمزم ، فبحث بعقبه ـ أو قال : بجناحه ـ حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه (١) وتقول بيدها هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها ، وهو يفور بعد ما تغرف.
قال ابن عباس : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : يرحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم ـ أو قال : لو لم تغرف من الماء ـ لكانت زمزم عينا معينا.
قال : فشربت وأرضعت ولدها ، فقال لها الملك : لا تخافوا الضّيعة ، فإن هاهنا بيتا لله يبنيه هذا الغلام وأبوه ، وإن الله تعالى لا يضيّع أهله ، وكان البيت مرتفعا من الأرض كالرابية ، تأتيه السيول فتأخذ عن يمينه وعن شماله ، فكانت كذلك حتى مرّت بهم رفقة من جرهم (٢) مقبلين من طريق كداء ، فنزلوا في أسفل مكة ، فرأوا طائرا عائفا (٣) فقالوا : إن هذا الطائر ليدور على ماء ، لعهدنا بهذا الوادي وما فيه ماء ، فأرسلوا جريّا (٤) أو جريّين فإذا هم بالماء ، فقالوا : أتأذنين أن ننزل عندك؟ فقالت : نعم ، ولكن لا حق لكم في الماء؟ قالوا : نعم.
قال ابن عباس : قال النبي صلىاللهعليهوسلم : فألفى ذلك أم إسماعيل وهي تحب الأنس ، فنزلوا وأرسلوا إلى أهليهم فنزلوا معهم ، حتى إذا كان [بها](٥) أهل أبيات منهم وشبّ الغلام وتعلم العربية منهم وأنفسهم وأعجبهم حين شبّ ، فلما أدرك
__________________
(١) أي : تجعله حوضا يجتمع فيه الماء (اللسان ، مادة : حوض).
(٢) جرهم : بطن من القحطانية ، جاؤوا من اليمن فنزلوا مكة واستوطنوها (معجم قبائل الحجاز ص : ٨٣).
(٣) عائفا : أي : حائما ليجد فرصة فيشرب (اللسان ، مادة : عيف).
(٤) الجريّ : الرسول (اللسان ، مادة : جرا).
(٥) زيادة من صحيح البخاري (٣ / ١٢٢٨).