ما توعدوا به ، وإنما هم لعظم ما دهمهم من أهوال الطامة ، وتراكم عليهم من شدائد القيامة ، وشدة ما يعانونه من عذاب النار في شغل شاغل ، فربما حانت منهم حالة إفاقة [فيتمنون](١) إذ ذاك أنهم كانوا مسلمين ، وهذا بالإضافة إلى ذلك الشغل الشاغل قليل.
فإن قيل : متى يودّون لو كانوا مسلمين؟
قلت : إذا عاينوا الموت وتحققوا الفوت ، وظهرت لهم أسباب العذاب ، وشاهدوا فوز أهل التوحيد يوم القيامة بالثواب.
وقد روى أبو موسى الأشعري عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «إذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم من شاء الله من أهل القبلة قال الكفار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا : بلى. قالوا : فما أغنى عنكم إسلامكم وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأخذنا بها. فسمع الله ما قالوا ، فأمر الله بمن كان في النار من أهل القبلة فأخرجوا. فلما رأى ذلك الكفار قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين فنخرج من النار كما أخرجوا. قال : ثم قرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم : (الر تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ* رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ)(٢).
قال ابن عباس : ما يزال الله يشفع ويدخل الجنة ويرحم حتى يقول : من كان من المسلمين فليدخل الجنة فذاك حين يقول : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا
__________________
(١) في الأصل : فيمنون. والصواب ما أثبتناه.
(٢) أخرجه الحاكم (٢ / ٢٦٥ ح ٢٩٥٤) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وصححه وو افقه الذهبي ، والطبري في تفسيره (١٤ / ٢).