قوله تعالى : (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) أي : ولا يحزنك تكذيبهم وإنكارهم وحرصهم على إطفاء نورك وإخفاء أمرك ، ولا يهمنك ما يتوعدونك به ، ثم استأنف فقال : (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ) أي : الغلبة والقهر لله (جَمِيعاً) فهو ناصرك ومظهر دينك إنه (هُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) بما تنطوي عليه ضمائرهم.
قوله تعالى : (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ) وهم الملائكة (وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) وهم الإنس والجن ، لاختصاص «من» بمن يعقل. المعنى : فإذا كان العقلاء المميّزون مع اختصاصهم بوصف الإنافة (١) على كافة الحق عبيدا لله عزوجل ، ولا يصلحون أن يكونوا شركاءه ، فما لا يعقل من حجر وشجر أحرى أن يكون مملوكا وأن لا يتخذ له شريكا.
قوله تعالى : (وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ) جائز أن تكون «ما» نافية ، وجائز أن تكون بمعنى «الذي» ، وجائز أن تكون استفهامية.
فإن كانت نافية ، كان المعنى : وما يتبعون شركاء على الحقيقة ، وإن كانوا يسمونها شركاء لاستحالة الاشتراك في الإلهية ، (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَ) أي : ظنهم بأنها شركاء (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أي : يحزرون ويقدرون تقديرا باطلا.
فعلى هذا : «شركاء» نصب «يتّبع».
ويجوز أن يكون المعنى ـ على قولنا أنها نافية ـ : وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إلا الظن ، وتكون «شركاء» منصوبا ب «يدعون» ، والعائد إلى «الذين» الواو في «يدعون» ، ويكون قوله : (إِنْ يَتَّبِعُونَ) مكررا ؛ لطول الكلام.
__________________
(١) الإنافة : أي الرّفعة والشّرف (اللسان ، مادة : نوف).