قال الزجاج لما ذكر هاهنا الغفران والرحمة (١) : ليعلمهم أن من أتى ما أتيتم ثم تاب فإن الله غفور رحيم به.
قوله تعالى : (قُلْ ما كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) وقرأ عكرمة وابن أبي عبلة وأبو حيوة : " بدعا" بفتح الدال (٢).
فالمعنى على قراءة الأكثرين : ما كنت أول من أرسل.
والبدع والبديع من كل شيء : مبتدأه ، ومنه : البدعة ؛ لأنه قول [ما لم](٣) يسبق إليه ، و (بَدِيعُ السَّماواتِ) : مبتدؤها على غير مثال سبق.
والمعنى على القراءة الأخرى : ما كنت ذا بدع ، على حذف المضاف.
وقيل : المعنى : ما كنت بدعا من الرسل فآتيكم بكل ما تقترحونه وأخبركم بكل ما تسألون عنه من المغيبات ؛ فإن الرسل لم يكونوا يأتون إلا بما آتاهم الله من آياته ، ولا يخبرون إلا بما أوحي إليهم.
(وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) قرأ ابن أبي عبلة وابن يعمر : " يفعل" بفتح الياء (٤).
واختلفوا هل المراد نفي علمه بما يفعل به في الآخرة أم في الدنيا؟ على قولين :
أحدهما : في الآخرة ، قال : ثم نزل بعدها : (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] ، وقال : (لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ) [الفتح : ٥]
__________________
(١) معاني الزجاج (٤ / ٤٣٩).
(٢) انظر هذه القراءة في : البحر (٨ / ٥٧) ، والدر المصون (٦ / ١٣٦).
(٣) زيادة على الأصل.
(٤) انظر هذه القراءة في : زاد المسير (٧ / ٣٧١) ، والدر المصون (٦ / ١٣٦).