قوله تعالى : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ) وذلك حين استنفر رسول الله صلىاللهعليهوسلم من حول المدينة من الأعراب ، حين أراد المسير إلى مكة عام الحديبية خوفا من قريش أن يعرضوا له بحرب أو صدّ عن البيت ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قد أحرم بعمرة وساق الهدي معه ليعلم الناس أنه لا يريد حربا ، فتثاقل عنه كثيرا من الأعراب شكّا ونفاقا ، فلما رجع أقبلوا إليه يعتذرون بالكذب ويقولون : (شَغَلَتْنا أَمْوالُنا) بإصلاحها (وَأَهْلُونا) بالقيام عليها ، (فَاسْتَغْفِرْ لَنا).
قال ابن عباس : هم غفار ومزينة وجهينة وأشجع والديل وأسلم (١).
يريد : أن المنافقين المخلفين كانوا من هؤلاء القبائل ، لا أنهم كلهم بهذه المثابة ، فأكذبهم الله تعالى في اعتذارهم وطلبهم من رسوله الاستغفار لهم بقوله تعالى : (يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا) وقرأ حمزة والكسائي : " ضرّا" بضم الضاد (٢).
قال أبو علي (٣) : الضرّ ـ بفتح الضاد ـ : خلاف النفع ، والضرّ ـ بضم الضاد ـ : سوء الحال. ويجوز أن يكونا لغتين في معنى ، كالفقر والفقر ، والضّعف والضّعف.
والمعنى : فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا من قتل أو هزيمة ، (أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً) من نصر أو غنيمة.
ثم أكذبهم وهدّدهم بقوله تعالى : (بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً).
__________________
(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير (٧ / ٤٢٩).
(٢) الحجة للفارسي (٣ / ٤٠٩) ، والحجة لابن زنجلة (ص : ٦٧٢) ، والكشف (٢ / ٢٨١) ، والنشر (٢ / ٣٧٥) ، والإتحاف (ص : ٣٩٦) ، والسبعة (ص : ٦٠٤).
(٣) الحجة للفارسي (٣ / ٤٠٩).