غرور أبي جهل
ونظرت قريش إلى قلة المسلمين ، فقال أبو جهل : ما هم إلا أكلة رأس لو بعثنا إليهم عبيدنا لأخذوهم باليد .
فقال عتبة بن ربيعة : أترى لهم كمين أو مدد ؟ فبعثوا عمير بن وهب الجمحي وكان فارساً شجاعاً ، فجال بفرسه حول عسكر النبي ( ص ) ثم رجع إليهم فقال : القوم ثلاثمائة رجل يزيدون قليلا او ينقصون قليلاً . ولكن أمهلوني حتى أنظر إذا كان لهم كمين أو مدد .
فضرب في الوادي حتى أبعد ، فلم يرَ شيئاً ، فرجع اليهم وقال :
ما رأيت شيئاً ، ولكن وجدت ـ يا معشر قريش ـ البلايا ( البراذع ) تحمل المنايا ، نواضح يثرب تحمل الموت الناقع ، قوم ليس لهم منعة ولا ملجأ إلا سيوفهم ، والله ما أرى أن يقتل رجل منهم حتى يقتل رجلاً منكم ، فإن أصابوا منكم أعدادهم فما خير العيش بعد ذلك الا ترون انهم خرس لا يتكلمون يتلمظون تلمظ الأفاعي ما أرى انهم يولون حتى يقتلوا بعددهم !
فقال له أبو جهل : كذبتَ وجبنت .
وأرسل إليهم رسول الله ( ص ) أن أرجعوا من حيث أتيتم ، فلئن يلي هذا الأمر مني غيركم أحب إليّ من أن تلوه أنتم .
فقال عتبة : ما رد هذا قوم قط ، وأفلحوا . ثم ركب جمله الأحمر ، فنظر إليه رسول الله ( ص ) وهو يجول بين العسكرين وينهى عن القتال ، فقال : إن يكن بأحد منهم خير فعند صاحب ذلك الجمل وان يطيعوه يرشدوا .
ووقف عتبة يخطب في أصحابه ، فقال : يا معشر قريش أطيعوني اليوم واعصوني الدهر ! إن محمداً له إلُّ وذمه ، وهو ابن عمكم فخلوه والعرب ، فإن يكن صادقاً فأنتم أعلى عيناً ، وان يكن كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره .