أصالته وعراقته وعلى جودة شعره ومتانته فلو أردنا أن نتعرّف على شخصيّته من خلال التراجم لطال بنا المقال وخرجنا عمّا نقصده من منال ، وإنّما سيكون معوّلنا عليها في نقل بعض ما يكون متمّماً للكلام ومعزّزاً للمقام.
فإنّ شخصيّة السيّد المرتضى كانت ذا جوانب وأبعاد عديدة من علمية واجتماعية وسياسية وأخلاقية ، وإنّ هذه الصفات والسجايا التي كان يتمتّع بها السيّد المرتضى رضياللهعنه إنّما جاءته إثر المنشأ الذي نشأ فيه والعناية التي حفّت به منذ طفولته ، فلم تكن وجاهته أو شخصيّته اكتسابيةً قطّ ، بل كانت ذاتيةً ، والحقّ أن نقول : إنّ العناية الإلهية التي حظي بها هي التي أحدقت به وأرشدته وساقته إلى أن يكون (علم الهدى) مع ما له من همّة عالية وذكاء متوقّد ؛ فإنّ قصّة رؤيا أستاذه الشيخ المفيد لفاطمة الزهراء في عالم المنام وهي تقود إليه الحسن والحسين عليهماالسلام ليعلّمهما الفقه(١) والتي طالما تناقلتها الكتب وذكرها العلماء والخطباء لخير دليل على مصداقيّة هذه العناية التي احتفّت به واحتوته منذ طفولته ونعومة أظفاره ، هذا وإنّ اعتناء والده به حيث جعل له خيرة الأساتذة والمعلّمين لتعجن طينته على طلب العلم والتمرّس في الفنون والعلوم هو العامل الآخر الذي ترك على شخصيّة الشريف المرتضى آثار الرفعة والسموّ والجلالة والوقار ، فخاض سبل العلم من شتّى روافده وورده من جميع أبوابه حتّى يكون علماً من أعلام العلم والحِكَم وسيّداً من سادة الأمم ورائداً من روّاد القلم. ولم ينس لوالده الجميل والفضل ، فقد أثنى عليه
__________________
(١) قاموس الرجال : ٩ / ٢٢٩.