ويذكر ما لديه من المواهب والنِّعم ممّا حباه اللّه تعالى دونهم قائلاً :
فلو أنّني أنصفت نفسي لصنتها |
|
ونزّهتها عن أن تذلّ لمطمعِ |
ومالي وأبواب الملوك وموضعي |
|
من الفضل والتجريب والفضل موضعي |
وما لهم مالي من العلم والتّقى |
|
ولا معهم يوماً من العلم ما معي |
وهل أنا إلاّ طالب النّقص عندهم |
|
وإلاّ ففضلي يعلم الله مقنعي |
وهل لصحيح الجلد من متمعِّك |
|
لذي العرِّ والجلد المفرّى بمضجعِ |
وما أنا بالرّاجي لما في أكُفِّهم |
|
فلِمْ نحوهم يا ويحَ نفسي تطلُّعي(١) |
ولمّا علمنا أنّ مدحه للخلفاء والملوك لم يكن لتقرُّب إليهم فلا يسعنا إلاّ أن نقول إنّ شخصيَّته العملاقة ونفسيّته الأبية النقيّة كانت قد فرضت عليهم مودّته وأُلفته ، وذلك لما كان يحمله من صفاء النيّة وحسن المعاشرة والصدق في القول والعمل.
أمّا مدحه للخلفاء العبّاسيّين الذين عاشرهم وإطنابه في مدحهم والثّناء عليهم ربّما يحمل على التّقية ؛ ولكن التّتبّع في سيرة حياته من خلال كتب التراجم وخاصّةً من خلال ديوانه الذي هومقصد البحث والكلام لا يدلاّن على ذلك ، لأنّ الخلفاء العباسيّين كانوا يعلمون حقّ المعرفة أنّ الشريف المرتضى لم يتنازل عن عقيدته العلوية قيد أنملة ، أو حتّى قيد شعرة ، ولكن في نفس الحال كانوا يأمنون جانبه ويعلمون أنّه لم يكن من أهل عدّة وعدد ، ولم يك من أهل سياسة وخديعة ومكر وفلتة ، مع ما له من قوّة وحكمة
__________________
(١) ديوان الشريف المرتضى : ٢ / ٨٠.