وذكاء وحنكة ، هذا ومن جانب آخر فإنّ عصر القادر والقائم يعدّ عصر انكماش الدولة العباسية وضعفها وتقهقرها ، فلم تك للخلفاء تلك المنعة والسطوة في إرغام مخالفيهم وصدّهم وردّهم ، فكانوا يخشون على سلطانهم تفاقم الأوضاع وتدهور الأمور لعظيم ما شغلهم من الإنحلال والإنهيار ، فكان لابدّ لهم أن يعمدوا إلى جانب المسايسة والمداراة ، ومع ذلك كلّه فإنّه حتّى بعد تزلزل أركان دولتهم وزوالها لم نر في ديوان الشريف المرتضى أيّ ذمّ وقدح وهجاء للطائع والقادر والقائم من الخلفاء العباسيّين الذين عاشرهم ، وذلك الالتزام بالخلق النبيل دليل على وفائه في مضمار الصداقة الإنسانية ، وإن كان التحامل منه على الدولة العباسية بشكل عام جليّاً في المرحلة التي ورد بها البويهيّون واستقرّ لهم الأمر ، ولكن أشعاره التي يفخر فيها بمجده وسؤدده العلويّ والنبويّ على حدّ سواء لخير دليل على أنّه رحمه الله كان يجهر بمنطقه أمام الدولة العباسية ، التي تأسّست على نقض الحقّ العلويّ الفاطميّ في نيل الخلافة الإلهية المتمثّلة بأئمّة أهل البيت عليهمالسلام المعصومين الأبرار الأطهار ، وإنّه كان يدعو للالتزام بدوحتهم وعروتهم التي لا انفصام لها دعوة حقّ بالحكمة والموعظة الحسنة ، ملتزماً في تبليغ الدين الحنيف سيرة آبائه وأجداده الطيّبين الطاهرين عليهم آلاف التحيّة والسلام ، فها هو يقول في مدح آل الرسول ويفتخر بهم عليهمالسلام
لأنتم آل خير الناس كلّهم |
|
المنهل العذب والمستورد الغَدَقُ |
وليس لله دينٌ غير حبّكم |
|
ولا إليه سواكم وحدكم طرقُ |