فإنّه لم يتّخذ الظالمين عضداً ، ولم يستمدّ بهم مَدَداً ، ولم يجعل أهل طائفته دونهم معتمداً وسنداً ، فكم خاطب في شعره قومه وعشيرته وأهل طائفته يذكّرهم بأنّه لا زال لهم الحصن المنيع والطود الرفيع واليد التي تمتدّ لنصرهم وإغاثتهم فتناضل دونهم وتذبّ عنهم وتكفيهم الملمّات وتدفع عنهم الدواهي ، حيث يرى رضوان الله تعالى عليه أنّ عزّته ومنعته ومجده ورفعته في نصر طائفته الحقّة والوقوف إلى جانبهم وإعلاء كلمتهم وتقوية أُلفتهم وتعزيز شوكتهم.
وهكذا جاءت طريقته وبدأ أسلوبه في ذمّ العبّاسيّين وتقريعهم أو قل هجائهم ، وما ذكرناه إنّما هو انتقاءٌ من قصيدته لبعض أبياتها وإن كانت كلمة الهجاء لا تناسب الطابع الشعري أدبيّاً لأنّها تطلق على السبّ والشتم عند الشعراء كأمثال جرير والفرزدق الذين كان ينمّ الهجاء بينهما ، وكذلك لا يناسب الطابع السلوكي عند سيّدنا علم الهدى الشريف المرتضى رضوان الله تعالى عليه ، حيث كان يعرف بعفّة الجنان واللسان ويشهد له بارتدائه جلباب الحشمة والوقار ، كما شهد له ذلك في غزله العفيف الذي أبى أن يتّخذ فيه طريقة الشعراء مترفّعاً عن الخلاعة والمجون ، ونرى ديوانه حافلا بالغزل الذي تصدّر به في أكثر قصائده ، فربّما خاطب بها الخلفاء والملوك والشخصيّات أو أصدقاءه وأحبّته في مناسبات شتّى ليشتقّ من الغزل معاني الودّ والإخلاص والوفاء لمن يخاطبه ويقصده ، وقد بدت في غزله قوّة التخيّل واشتقاق المعاني التي يميل إليها الطبع الإنساني العفيف ويأنس بها ،