إن عليا لما مضى لسبيله ـ رحمة الله عليه يوم قبض ، ويوم منّ الله عليه بالإسلام ويوم يبعث حيا ـ ولاني المسلمون بعده ، فأسأل الله أن لا يؤتينا في الدنيا الزائلة شيئا ينقصنا به في الآخرة مما عنده من كرامة ، وإنما حملني على الكتاب إليك الاعذار فيما بيني وبين الله عز وجل فى أمرك ولك في ذلك إن فعلته الحظ الجسيم ، والصلاح للمسلمين فدع التمادي في الباطل وادخل فيما دخل فيه الناس من بيعتي ، فانك تعلم أني أحق بهذا الأمر منك عند الله وعند كل أوّاب (١) حفيظ ومن له قلب منيب ، واتق الله ودع البغي ، واحقن دماء المسلمين ، فو الله ما لك خير فى أن تلقى الله من دمائهم بأكثر مما أنت لاقيه به وادخل فى السلم والطاعة ولا تنازع الأمر أهله ومن هو أحق به منك ليطفئ الله النائرة (٢) بذلك ، ويجمع الكلمة ، ويصلح ذات البين ، وإن أنت أبيت إلا التمادي في غيك سرت إليك بالمسلمين فحاكمتك حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين » (٣)
وحفلت هذه الرسالة ـ على كلتا الروايتين ـ بأمور مهمة :
١ ـ إن الإمام أعرب فيها عن شعوره تجاه الخلافة الإسلامية فهو فهو يرى أنها من حقوق أهل البيت (ع) لا يشاركهم فيها أحد ، وان من ابتزها منهم فقد اعتدى عليهم وسلب تراثهم ، وقد سلك الإمام في الاستدلال على رأيه الوثيق بعين ما استدلت به قريش على العرب في أحقيتهم بالخلافة من أنهم أقرب الناس الى النبي (ص) وأمس الناس رحما به ، فان هذا الشعار الذي هتفوا به موجود في أهل البيت على النحو الأكمل
__________________
(١) آب الى الله رجع عن ذنبه وتاب فهو أواب مبالغة.
(٢) النائرة : العداوة والبغضاء.
(٣) شرح ابن أبي الحديد ج ٤ ص ١٢ ،