هو الآخر ، فالمراد المصداق دون المفهوم.
إذا عرفت هذا علمت ان الصراط المستقيم الذي هو صراط غير الضالين صراط لا يقع فيه شرك ولا ظلم البته كما لا يقع فيه ضلال البته ، لا في باطن الجنان من كفر أو خطور لا يرضى به الله سبحانه ، ولا في ظاهر الجوارح والاركان من فعل معصية أو قصور في طاعة ، وهذا هو حق التوحيد علما وعملا إذ لا ثالث لهما وما ذا بعد الحق الا الضلال ؟ وينطبق على ذلك قوله تعالى : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم اولئك لهم الامن وهم مهتدون ) الانعام ـ ٨٢ ، وفيه تثبيت للامن في الطريق ووعد بالاهتداء التام بنائا على ما ذكروه : من كون اسم الفاعل حقيقة في الاستقبال فليفهم فهذا نعت من نعوت الصراط المستقيم.
ثم انه تعالى عرف هؤلاء المنعم عليهم الذين نسب صراط المستقيم إليهم بقوله تعالى : ( ومن يطع الله والرسول فاولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ) النساء ـ ٦٨ ، وقد وصف هذا الايمان والاطاعة قبل هذه الآية بقوله ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ولو انا كتبنا عليهم ان اقتلوا انفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو انهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا ) النساء ـ ٦٦. فوصفهم بالثبات التام قولا وفعلا وظاهرا وباطنا على العبودية لا يشذ منهم شاذ من هذه الجهة ومع ذلك جعل هؤلاء المؤمنين تبعا لاولئك المنعم عليهم وفي صف دون صفهم لمكان مع ولمكان قوله : وحسن اولئك رفيقا ولم يقل : فاولئك من الذين.
ونظير هذه الآية قوله تعالى : ( والذين آمنو بالله ورسله اولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونور هم ) الحديد ـ ١٩. وهذا هو الحاق المؤمنين بالشهداء والصديقين في الآخرة ، لمكان قوله : عند ربهم ، وقوله : لهم اجرهم.
فاؤلئك ( وهم اصحاب الصراط المستقيم ) أعلى قدرا وأرفع درجة ومنزلة من هؤلاء وهم المؤمنون الذين اخلصوا قلوبهم واعمالهم من الضلال والشرك والظلم ، فالتدبر