الأخلاق الاجتماعية ، أو الفهم العام العادي الذي هو إساس التكاليف العامة الدينية ، فللعقل أحكام ، وللحب إحكام ، وسيجئ توضيح هذا المعنى في بعض الابحاث الآتية إنشاء الله تعالى.
قوله تعالى : ( أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة واولئك هم المهتدون الآية ). التدبر في الآية يعطي أن الصلوة غير الرحمة بوجه ، ويشهد به جمع الصلوة وإفراد الرحمة وقد قال تعالى : ( هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما ) الاحزاب ـ ٤٣ ، والآية تفيد كون قوله : ( وكان بالمؤمنين رحيما ) ، في موقع العلة لقوله : هو الذي يصلي عليكم ، والمعنى انه انما يصلي عليكم ، وكان من اللازم المترقب ذلك ، لان عادته جرت على الرحمة بالمؤمنين ، وأنتم مؤمنون فكان من شأنكم أن يصلي عليكم حتى يرحمكم ، فنسبة الصلوة إلى الرحمة نسبة المقدمة إلى ذيها وكالنسبة التي بين الالتفات والنظر ، والتى بين الالقاء في النار والاحراق مثلا ، وهذا يناسب ما قيل في معنى الصلوة : أنها الانعطاف والميل ، فالصلوة من الله سبحانه إنعطاف إلى العبد بالرحمة ومن الملائكة إنعطاف إلى الانسان بالتوسط في إيصال الرحمة ، ومن المؤمنين رجوع ودعاء بالعبودية وهذا لا ينافي كون الصلوة بنفسها رحمة ومن مصاديقها ، فإن الرحمة في القرآن على ما يعطيه التدبرفي مواردها هي العطية المطلقة الالهية ، والموهبة العامة الربانية ، كما قال تعالى : ( ورحمتي وسعت كل شئ ) الاعراف ـ ١٥٦ ، وقال تعالى : ( وربك الغني ذو الرحمة إن يشا يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء كما أنشاكم من ذرية قوم آخرين ) الانعام ـ ١٣٣ ، فالاذهاب لغناه والاستخلاف والانشاء لرحمتة ، وهما جميعا يستندان إلى رحمته كما يستندان إلى غناه فكل خلق وأمر رحمة ، كما أن كل خلق وأمر عطية تحتاج إلى غني ، قال تعالى : ( وما كان عطاء ربك محظورا ) الاسراء ـ ٢٠ ، وإن عطيته الصلوة فهي أيضا من الرحمة غير أنها رحمة خاصة ، ومن هنا يمكن أن يوجه جمع الصلوة وإفراد الرحمة في الآية.
قوله تعالى : وأولئك هم المهتدون كأنه بمنزلة النتيجة لقوله : أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة ، ولذلك جدد اهتدائهم جملة ثانية مفصولة عن الاولى ، ولم يقل : صلوات من ربهم ورحمة وهداية ، ولم يقل : واولئك هم المهديون بل ذكر قبولهم للهداية بالتعبير بلفظ الاهتداء الذي هو فرع مترتب على الهداية ، فقد تبين