وقوله : ( وما عند الله خير الآية ). وقوله : ( إليه ترجعون الآية ) قيدنا معنى الحضو بالمكان.
وإذا سمعنا نحو قوله : ( إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها الآية ). أو قوله : ( ونريد ان نمن الآية ) أو قوله : ( يريد الله بكم اليسر الآية ) فهمنا : أن الجميع سنخ واحد من الارادة ، لما إن الامر على ذلك فيما عندنا ، وعلى هذا القياس.
وهذا شأننا في جميع الالفاظ المستعملة ، ومن حقنا ذلك ، فإن الذي أوجب علينا وضع الفاظ إنما هي الحاجة الاجتماعية إلى التفهيم والتفهم ، والاجتماع إنما تعلق به الانسان ليستكمل به في الافعال المتعلقة بالمادة ولواحقها ، فوضعنا الالفاظ علائم لمسمياتها التي نريد منها غايات واغراضا عائدة الينا.
وكان ينبغي لنا ان نتنبه : أن المسميات المادية محكومة بالتغير والتبدل بحسب تبدل الحوائج في طريق التحول والتكامل كما ان السراج أول ما عمله الانسان كان اناء فيه فتيلة وشئ من الدهن تشتعل به الفتيلة للاستضائه به في الظلمة ، ثم لم يزل يتكامل حتى بلغ اليوم إلى السراج الكهربائي ولم يبق من اجزاء السراج المعمول أولا الموضوع بازائه لفظ السراج شئ ولا واحد.
وكذا الميزان المعمول أولاو ، الميزان المعمول اليوم لتوزين ثقل الحرارة مثلا.
والسلاح المتخذ سلاحا أول يوم ، السلاح المعمول اليوم إلى غير ذلك.
فالمسميات بلغت في التغير إلى حيث فقدتجميع أجزائها السابقة ذاتا وصفة والاسم مع ذلك باق ، وليس إلا لان المراد في التسمية إنما هو من الشئ غايتة ، لا شكله وصورتة ، فما دام غرض التوزين االاستضائة أو الدفاع باقيا كان اسم الميزان والسراج والسلاح وغيرها باقيا على حاله.
فكان ينبغي لنا ان نتنبه أن المدار في صدق الاسم اشتمال المصداق على الغاية والغرض ، لا جمود اللفظ على صورة واحدة ، فذلك مما لا مطمع فيه البتة ، ولكن العادة والانس منعانا ذلك ، وهذا هو الذي دعى المقلدة من أصحاب الحديث من الحشوية والمجسمة ان يجمدوا على ظواهر الآيات في التفسير وليس في الحقيقة جمودا على الظواهر بل هو جمود على العادة والانس في تشخيص المصاديق.