بحث آخر فلسفي
الانسان البسيط في أوائل نشأته حين ما يطأ موطأ الحيوة لا يرى من نفسه إلا انه ينال من الاشياء اعيانها الخارجية من غير ان يتنبه انه يوسط بينه وبينها وصف العلم ، ولا يزال على هذا الحال حتى يصادف في بعض مواقفه الشك أو الظن ، وعند ذلك يتنبه : انه لا ينفك في سيره الحيوي ومعاشه الدنيوي عن استعمال العلم لا سيما وهو ربما يخطئ ويغلط في تميزاته ، ولا سبيل للخطأ والغلط إلى خارج الاعيان ، فيتيقن عند ذلك بوجود صفة العلم ( وهو الادراك المانع من النقيض ) فيه.
ثم البحث البالغ يوصلنا ايضا إلى هذه النتيجة ، فان ادراكاتنا التصديقية تحلل إلى قضية اول الاوائل ( وهى ان الايجاب والسلب لا يجتمعان معا ولا يرتفعان معا ) فما من قضية بديهية أو نظرية الا وهي محتاجة في تمام تصديقها إلى هذه القضية البديهية الاولية ، حتى انا لو فرضنا من انفسنا الشك فيها وجدنا الشك المفروض لا يجامع بطلان نفسه وهو مفروض ، وإذا ثبتت هذه القضية على بداهتها ثبت جم غفير من التصديقات العلمية على حسب مساس الحاجة إلى اثباتها ، وعليها معول الانسان في انظاره واعماله.
فما من موقف علمي ولا واقعة عملية إلا ومعول الانسان فيه على العلم ، حتى انه انما يشخص شكه بعلمه أنه شك ، وكذا ظنه أو وهمه أو جهله بما يعلم انه ظن أو وهم أو جهل هذا.
ولقد نشأ في عصر اليونانيين جماعة كانوا يسمون بالسو فسطائيين نفوا وجود العلم ، وكانوا يبدون في كل شئ الشك حتى في انفسهم وفي شكهم ، وتبعهم آخرون يسمون بالشكاكين قريبوا المسلك منهم نفوا وجود العلم عن الخارج عن انفسهم وافكارهم ( ادراكاتهم ) وربما لفقوا لذلك وجوها من الاستدلال.
منها : أن اقوى العلوم والادراكات ( وهي الحاصلة لنا من طرق الحواس ) مملوءة