قوله تعالى : ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ، ذكر بعض المفسرين أن المعنى ومن أي مكان خرجت ، وفي أي بقعة حللت فول وجهك وذكر بعضهم أن المعنى ومن حيث خرجت من البلاد ، ويمكن أن يكون المراد بقوله ومن حيث خرجت ، مكة ، التي خرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم منها كما قال تعالى ( من قريتك التي أخرجتك ) محمد ـ ١٣ ، ويكون المعنى أن استقبال البيت حكم ثابت لك في مكة وغيرها من البلاد والبقاع وفي قوله وأنه للحق من ربك وما الله بغافل عما تعملون تأكيد وتشديد.
قوله تعالى : ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره ، تكرار الجملة الاولى بلفظها لعله للدلالة على ثبوت حكمها على أي حال ، فهو كقول القائل ، اتق الله إذا قمت واتق الله إذا قعدت ، واتق الله إذا نطقت ، واتق الله إذا سكت ، يريد : التزم التقوى عند كل واحدة من هذه الاحوال ولتكن معك ، ولو قيل اتق الله إذا قمت وإذا قعدت وإذا نطقت وإذا سكت فاتت هذه النكتة ، والمعنى استقبل شطر المسجد الحرام من التي خرجت منها وحيث ما كنتم من الارض فولوا وجوهكم شطره.
قوله تعالى : لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ، بيان لفوائد ثلاث في هذا الحكم الذي فيه أشد التأكيد على ملازمة الامتثال والتحذر عن الخلاف :
احديها : أن اليهود كانوا يعلمون من كتبهم أن النبي الموعود تكون قبلته الكعبة دون بيت المقدس ، كما قال تعالى : وإن الذين إوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم الآية ، وفي ترك هذا الحكم الحجة لليهود على المسلمين بأن النبي ليس هو النبي الموعود لكن التزام هذا الحكم والعمل به يقطع حجتهم إلا الذين ظلموا منهم ، وهو استثناء منقطع ، أي لكن الذين ظلموا منهم باتباع الاهواء لا ينقطعون بذلك فلا تخشوهم لانهم ظالمون باتباع الاهواء ، والله لا يهدي القوم الظالمين واخشوني.
وثانيتها : أن ملازمة هذا الحكم يسوق المسلمين إلى تمام النعمة عليهم بكمال دينهم ، وسنبين معنى تمام النعمة في الكلام على قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) المائدة ـ ٤.