تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ) المائدة ـ ٤ ، وسيجئ الكلام في معنى النعمة وتشخيص هذه النعمة التي يمتن بها الله سبحانه في الآية.
ونظير هاتين الآيتين في الاشتمال على عدة إتمام النعمة قوله تعالى ( ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ) المائدة ـ ٦ ، وقوله تعالى ( كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون ) النحل ـ ٨١ ، وسيجئ إنشاء الله شئ من الكلام المناسب لهذا المقام في ذيل هذه الآيات.
قوله تعالى : كما أرسلنا فيكم رسولا منكم ، ظاهر الآية إن الكاف للتشبيه وما مصدرية ، فالمعنى : أنعمنا عليكم بأن جعلنا لكم البيت الذي بناه إبراهيم ودعا له بما دعا من الخيرات والبركات قبلة كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويعلمكم الكتاب والحكمة ويزكيكم مستجيبين لدعوة إبراهيم ، إذ قال هو وابنه إسمعيل ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ، وفيهم امتنان عليهم بالارسال كالامتنان بجعل الكعبة قبلة ، ومن هنا يظهر أن المخاطب بقوله فيكم رسولا منكم ، هو الامة المسلمة ، وهو أولياء الدين من الامة خاصة بحسب الحقيقة ، والمسلمون جميعا من آل إسمعيل ، ـ وهم عرب مضر ـ بحسب الظاهر ، وجميع العرب بل جميع المسلمين بحسب الحكم.
قوله تعالى : يتلوا عليكم آياتنا ، ظاهرة آيات القرآن لمكان قوله يتلوا ، فإن العناية في التلاوة إلى اللفظ دون المعنى ، والتزكية هي التطهير ، وهو إزالة الادناس والقذارات ، فيشمل إزالة الاعتقادات الفاسدة كالشرك والكفر ، وإزالة الملكات الرذيلة من الاخلاق كالكبر والشح ، وإزالة الاعمال والافعال الشنيعة كالقتل والزنا وشرب الخمر وتعليم الكتاب والحكمة وتعليم ما لم يكونوا يعلمونه يشمل جميع المعارف الاصلية والفرعية.
واعلم : أن الآيات الشريفة تشتمل على موارد من الالتفات ، فيه تعالى بالغيبة ولتكلم وحده ومع الغير ، وفي غيره تعالى أيضا بالغيبة والخطاب والتكلم ، والنكتة فيها غير خفية على المتدبر البصير.