ثم نقول ثالثاً : إذا تم الرجوع إلىٰ أولي الأمر هؤلاء فما فائدة وجود الذين يستنبطونه منهم ، بعد ان سمعوا الحكم ورأوا ما يفعله الحاكم ، ولا تخلو بلاد منهم لأنه اذا قلنا بانها تشمل الرأس الاكبر في الحكم فهي تشمل كل رأس كذلك في كل منطقة ولو صغيرة ، فما أدخل ذاك أدخل هذا ، ولا فرق ، فلا تبقى فائدة للمستنبطين ، وإما علىٰ قولنا فالفائدة مستمرة سواء بحضور الإمام أم بغيبته كما هو ظاهر.
ورابعاً : ان قيل ان الظرف الذي يلي أولي الامر يقتضي ان يكون أولوا الأمر من اولئك الذين أذاعوا ، فنقول : بالاضافة إلىٰ ما قدّمناه ، واستبعاد ان يكون أولوا الأمر منهم بالخصوص ، إن الظرف راجع إلىٰ الرسول وإلى أولي الأمر كليهما. ولا يقدح شيء في ذلك بعد قوله تعالىٰ : ( كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ ... ) (١). وبعد قوله تعالىٰ : ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ) (٢). ولم يكن هو منهم بشيء من الضلالة التي كانوا فيها ، فالظاهر كونه ظرفاً مستقراً أي أولوا الأمر الكائنون منكم ، هذا أولاً.
وثانياً : إذا كان أولوا الأمر ممّن اذاع ذلك الأمر من الأمن أو الخوف كيف يُردُّ إليهم ما صدر منهم ليقوَّم ، ولا يمكن ان يكون الرسول كذلك فعطف اولئك عليه يعلم منه انهم كذلك لا يمكن صدور تلك الاذاعة منهم لذا يجب ان يكونوا غيرهم.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٥٢.
(٢) سورة التوبة : ٩ / ١٢٨.