دليل على أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فرض يقوم به المسلم ، وإن لم يكن عدلا ، خلافا للمبتدعة الذين يشترطون فى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر العدالة.
وقد بينا فى كتب الأصول أن شروط الطاعات لا تثبت إلا بالادلة ، كل أحد عليه فرض فى نفسه أن يطيع ، وعليه فرض فى دينه أن ينبه غيره على ما يجهله من طاعة أو معصية ، وينهاه عما يكون عليه من ذنب ، وقد بيناه فى الآية الأولى قبلها.
المسألة الرابعة ـ فى ترتيب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر : ثبت عن النبى صلىاللهعليهوسلم أنه قال :
« من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان » وفى هذا الحديث من غريب الفقه أن النبى صلىاللهعليهوسلم بدا فى البيان بالأخير فى الفعل ، وهو تغيير المنكر باليد ، وإنما يبدأ باللسان والبيان فإن لم يكن فباليد.
يعنى أن يحول بين المنكر وبين متعاطيه بنزعه عنه وبجذبه منه فإن لم يقدر إلا بمقاتلة وسلاح فيتركه ، وذلك إنما هو إلى السلطان ، لأن شهر السلاح بين الناس قد يكون مخرجا إلى الفتنة وآئلا إلى فساد أكثر من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، مثل أن يرى عدوا يقتل عدوا فينزعه منه ولا يستطيع الا بدفعه ويتحقق أنه لو تركه قتله ، وهو قادر على نزعه ولا يسلمه بحال وليخرج السلاح.
المسألة الخامسة : فى هذه الآية دليل على مسالة اختلف فيها العلماء ، وهى إذا رأى مسلم فحلا يصول على مسلم فإنه يلزمه أن يدفعه عنه ، وإن أدى إلى قتله ولا ضمان على قاتله حينئذ ، سواء كان القاتل له هو الذى صال عليه الفحل أو معينا له من الخلق وذلك إنه إذا دفعه عنه فقد قام بفرض يلزم جميع المسلمين فناب عنهم فيه ، ومن جملتهم مالك الفحل فكيف يكون نائبا عنه فى قتل الصائل ويلزمه ضمانه؟