وقال الموفق عبد اللطيف : كان ابن الجوزى لا يضيع من زمانه شيئا ، يكتب فى اليوم أربعة كراريس ، ويرتفع له كل سنة من كتابته ما بين خمسين مجلدا إلى ستين ، وله فى كل علم مشاركة ، لكنه كان فى التفسير من الاعيان ، وفى الحديث من الحفاظ ، وفى التاريخ من المتوسعين ، ولديه فقه كاف.
وقال ابن خلكان : وبالجملة فكتبه أكثر من أن تعد ، وكتب بخطه شيئا كثيرا ، والناس يغالون فى ذلك حتى يقولوا : إنه جمعت الكراريس التى كتبها وحسبت مدة عمره ، وقسمت الكراريس على المدة فكان ما خص كل يوم تسع كراريس .. ويقال : إنه جمعت براية أقلامه التى كتب بها حديث رسول الله صلىاللهعليهوسلم فحصل منها شىء كثير ، وأوصى أن يسخن بها الماء الذي يغسل به بعد موته ، ففعل ذلك ، فكفت وفضل منها.
حياته :
ولد ابن الجوزى أبو الفرح جمال الدين عبد الرحمن بن أبى الحسن بن على فى سنة إحدى عشرة وخمسمائة من الهجرة ببغداد ، وتوفى والده وهو ابن ثلاث فكفلته امه وعمته ، واتجه إلى العلم منذ بدأ وعيه بالحياة ، فاتجه إلى سماع العلم فى سن الخامسة وحفظ القرآن وهو صغير ، وسمع أمهات كتب الحديث كمسند أحمد وصحيحى البخارى ومسلم وجامع الترمذى وما لا يحصى من كتب الحديث.
ومن ملامح نشأته ، ومظاهر حياته ما يقوله ابن العماد من أنه كان يراعى حفظ صحته ، وتلطيف مزاجه ، وما يفيد عقله قوة ، وذهنه حدة ، لباسه الناعم الأبيض المطيب .. وله مداعبات حلوة وما تناول ما لا من جهة لا يتيقن حلها ، ولا ذل لأحد .. قال فى لفتة الكبد يخاطب ولده : وما ذل أبوك فى طلب العلم قط ، ولا خرج يطوف فى البلدان كغيره ، من الوعاظ ولا بعث رقعة إلى أحد يطلب منه شيئا ..
ولم تكن حياته كلها سهلة ميسرة ، لينة مبهجة ، لقد استلذ فى سبيل العلم