ما تفرق ، وربما وجد العناية ببعض النواحى واضحة إلى حد الاملال ، والتقصير فى بعض آخر واضحا إلى درجة الاختلال ، أما الذين جاءوا بعد ذلك من المفسرين ، فلئن كان بعضهم قد اطنبوا ، وحققوا وهذبوا وفصلوا وبوبوا ، فإن قليلا منهم أولئك الذين استطاعوا مع ذلك أن يحتفظوا لتفسيرهم بالجو القرآنى الذى يشعر معه القارئ بأنه يجول فى مجالات متصلة بكتاب الله اتصالا وثيقا ، وتتطلبها خدمته حقا لا لادنى ملابسة ، وأقل مناسبة.
لكن كتابنا هذا كان أول ـ ولم يزل أكمل ـ مؤلف من كتب التفسير الجامعة استطاع أن يجمع إلى غزارة البحث ، وعمق الدرس ، وطول النفس فى الاستقصاء ، هذا النظم الفريد ، القائم على التقسيم والتنظيم والمحافظة على تفسير القرآن ، وملاحظة أنه فن يقصد به خدمة القرآن ، لا خدمة اللغويين بالقرآن ، ولا خدمة الفقهاء بالقرآن ، ولا تطبيق آيات القرآن على نحو سيبويه ، أو بلاغة عبد القاهر ، أو فلسفة اليونان أو ـ الرومان ، ولا الحكم على القرآن بالمذاهب التى يجب أن تخضع هى لحكم القرآن.
ومن مزايا هذا التنظيم أنه يتيح لقارئ الكتاب فرصة القصد إلى ما يريده قصدا مباشرا ، فمن شاء أن يبحث عن اللغة عمد إلى فصلها المخصص لها ، ومن شاء أن يبحث بحثا نحويا اتجه إليه ، ومن شاء معرفة القراءات رواية أو تخريجا وحجة عمد إلى موضع ذلك فى كل آية فوجده ميسرا محررا ، وهكذا.
ولا شك أن هذا فيه تقريب أى تقريب على المشتغلين بالدراسات القرآنية ، ولا سيما فى عصرنا الحاضر الذى كان من أهم صوار فى المثقفين فيه عن دراسة كتب التفسير ما يصادفونه فيها من العنت ، وما يشق عليهم من متابعتها فى صبر ودأب ، وكد وتعب.
فتلك مزية نظامية لهذا الكتاب ، بجانب مزاياه العلمية الفكرية.
أما منهج صاحب الكتاب نفسه فانه يتحدث عنه قائلا : أنه استخار الله تعالى ، ثم يقول :