لم يستقر هؤلاء العلماء فى دورهم البعيدة عن الخطر ، وإنما هبوا جميعا للجهاد فى سبيل الله ، لقد هاجروا إلى المنصورة ليكونوا بين المجاهدين ، ورغم أن العارف بالله أبا الحسن الشاذلى كان فى آخر حياته ، وكان قد كف بصره ، فانه كان فى مقدمة الذاهبين إلى المنصورة!!!
ها هم أولئك العلماء الصوفية ، أو الصوفية العلماء ، بسمتهم الملائكى ، وبايمانهم الذى لا يتزعزع يسيرون وسط الجند ، يحثون ويشجعون ، ويرشدون ويذكرون بالله ، ويبشرون ـ كما وعد الله ـ باحدى الحسنيين : النصر أو الجنة.
وإذا لزم الامر عملوا بأيديهم مع العالمين.
ولقد كان مجرد سيرهم فى الحوارى والشوارع : تذكيرا بالنصر أو الجنة ، وكان حفزا للهمم ، وتثبيتا للايمان ، وتأكيدا لصورة الجهاد الاسلامية التى قادها فى عصور الاسلام الاولى رسول الله صلوات الله عليه ، وخلفاؤه الراشدون ، رضوان الله عليهم ..
حتى إذا اطمأنوا إلى الأسباب والوسائل : المادية الظاهرة ، والمعنوية الباطنة ، اجتمع هؤلاء الاعلام فى خيمة من خيام المعسكر نعم فى خيمة من خيام المعسكر يتجهون إلى الله بصلاتهم ودعائهم ، يلتمسون منه النصر ، فاذا ما فرغوا من ذلك أخذوا يتدارسون كتابا من الكتب ...
وشغل أبو الحسن بأمر المسلمين ، فكان ليله ونهاره مشغولا بالله فى أمرهم حتى إذا ما أخذته سنة من النوم ليلة من الليالى ، رأى فيما يرى النائم ، رؤى تتعلق بحالة المسلمين فى المنصورة ومن : الرؤيا التى حكاها كتاب « درة الاسرار » قال :
« قال الشيخ أبو الحسن : كنت بالمنصورة ، فلما كانت ليلة الثامن من ذى الحجة ، بت مشغولا بأمر المسلمين وبأمر الثغر ، وقد كنت أدعو الله وأضرع إليه فى أمر السلطان والمسلمين.