أربعين يوما بين أهله وعشيرته يتفقد أحوالهم ويتودد إليهم وينفق عليهم ما ادخره أثناء العام ، ثم يعود من جديد إلى بغداد ...
وصلة الأرحام من أنفس القربات فى دين الإسلام الحنيف ومن الأمور التى تذكر بالخير للفراء هذا الموقف الكريم.
يروى ابن النديم خبرا يحكيه أبو العباس ثعلب أن السبب فى إملاء الفراء « الحدود » هو أن جماعة من أصحاب الكسائى صاروا إليه وسألوه أن يملى عليهم أبيات النحو ففعل ، فلما كان المجلس الثالث قال بعضهم لبعض : إن دام هذا على هذا علم النحو الصبيان والوجه أن يقعد عنه :
فغضب وقال : سألونى القعود ـ يعنى للمحاضرة والإملاء ـ فلما قعدت تأخروا ، والله لأملئن النحو ما اجتمع اثنان ـ فأملى ذلك ست عشرة سنة! ووثق به المأمون وبعلمه ، فاتخذه معلما لاولاده.
ونأتى الآن إلى ( كتاب المعانى ) ويذكر ثعلب أن السبب فى تأليفه أن عمر بن بكير كان من أصحابه ، وكان منقطعا إلى الحسن بن سهل ، فكتب إلى الفراء أن الأمير الحسن بن سهل ربما سألنى عن الشيء بعد الشيء من القرآن فلا يحضرنى فيه جواب ، فإن رأيت أن تجمع لى أصولا ، أو تجعل فى ذلك كتابا أرجع إليه فعلت!
فقال الفراء لأصحابه :
اجتمعوا حتى أملى عليكم كتابا فى القرآن ـ وجعل لهم يوما حضروا فخرج إليهم ، وكان فى المسجد رجل يؤذن ويقرأ بالناس فى الصلاة وكان يكتب عن الفراء الوراقون ـ وهم تجار الكتب ـ ومع أن عدد من كان يحضر الدرس لا يكاد يحصى فإن الذى حرص على الكتابة هم : الوراقون ولما انتهى الفراء من الإملاء خزن الوراقون الكتاب ليبيعوه بثمن مرتفع جدا ، وشكا الناس إلى الفراء فاحضر الوراقين وأخذ يتحدث معهم فى خفض ثمن النسخ فلم يفلح معهم وذلك لجشعهم.