فقال : ثلاثون ألف ورقة.
فقالوا : هذا مما تفنى الأعمار قبل تمامه ،
فاختصره لهم فى ثلاثة آلاف ورقة ..
والناظر فى هذا التفسير يلمح ما بذله ابن جرير من جهد كبير فى إتمامه ، لقد اعتنى فيه بجمع الآثار ، وتحقيق الأخبار ، ومدلولات اللغة ، وأحكام الشرع ، وأبدى رأيه مرجحا وموضحا وفاتحا المجال للاجتهاد والاختيار ..
وقد قدم لتفسيره بعد الحمد والثناء والصلاة على خاتم الأنبياء فقال : ثم أما بعد : فإن من جسيم ما خص الله به أمة نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم من الفضيلة ، وشرفهم به على سائر الأمم من المنازل الرفيعة ، وحباهم به من الكرامة السنية ، حفظه ما حفظ عليهم ـ جل ذكره وتقدست أسماؤه ـ من وحيه وتنزيله ، الذى جعله على حقيقة نبوة نبيهم صلىاللهعليهوسلم دلالة ، وعلى ما خصه به من الكرامة علامة واضحة ، وحجة بالغة ، أبانه به من كل كاذب ومفتر ، وفصل به بينهم وبين كل جاحد وملحد وفرق بينهم وبين كل كافر ومشرك ، الذى لو اجتمع جميع من بين أقطارها جنها وإنسها ، وصغيرها وكبيرها ، على أن يأتوا بسورة من مثله لم يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا .. فجعله لهم فى دجى الظلم نورا ساطعا ، وفى سدف الشبه شهابا لامعا وفى مضلة المسالك دليلا هاديا وإلى سبل النجاة والحق حاديا ...
( يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ ).
( سورة المائدة الآية ٦١ )
حرسه بعين منه لا تنام ، وحاطه بركن منه لا يضام ، لا تهى على الأيام دعائمه ولا تبيد على طول الأزمان معالمه ، ولا يجوز عن قصد المحجة تابعه. ولا يضل عن سبل الهدى مصاحبه ، من اتبعه فاز وهدى ومن حاد عنه ضل وغوى ، فهو موئلهم الذى إليه عند الاختلاف يئلون ومعقلهم الذى