لي الأول والآخر من هؤلاء الرجال فقال إن الصفات تشتبه ولكن الثالث من القوم أصف لك ما يخرج من نسله وإنه عندكم لفي الكتب التي نزلت عليكم إن لم تغيروا وتحرفوا وتكفروا وقديما ما فعلتم قال له النصراني إني لا أستر عنك ما علمت ولا أكذبك وأنت تعلم ما أقول في صدق ما أقول وكذبه والله لقد أعطاك الله من فضله وقسم عليك من نعمه ما لا يخطره الخاطرون ولا يستره الساترون ولا يكذب فيه من كذب فقولي لك في ذلك الحق كما ذكرت فهو كما ذكرت فقال له أبو
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : فإن الصفات تشتبه ، أي تتشابه لا تكاد تنتهي إلى شيء تسكن إليه النفس « ولكن الثالث من القوم » أي الحسين صلوات الله عليه « ما يخرج من نسله » أي القائم عليهالسلام أو سائر الأئمة أيضا ، واستعمال « ما » في موضع « من » شائع ، ومنه قوله تعالى : « وَالسَّماءِ وَما بَناها » (١) « وقديما » منصوب بفعلتم و « ما » للإبهام و « لا أكذبك » متكلم باب ضرب « وأنت » كان الواو للحال « في صدق » أي من جهة صدق ، أو المعنى في جملة صادق ما أقول وكاذبة.
« ما لا يخطره الخاطرون » في أكثر النسخ بتقديم المعجمة على المهملة أي ما لا يخطر ببال أحد ، لكن في الإسناد توسع لأن الخاطر هو الذي يخطر ببال ، ولذا قرأ بعضهم بالعكس ، أي لا يمنعه المانعون « ولا يستره الساترون » أي لا يقدرون على ستره لشدة وضوحه « ولا يكذب فيه من كذب » بالتخفيف فيهما أو بالتشديد فيهما ، أو بالتشديد في الأول والتخفيف في الثاني ، أو بالعكس ، والأول أظهر ، فيحتمل وجهين :
الأول : أن المعنى من أراد أن يكذب فيما أنعم الله عليك وينكره لا يقدر عليه لظهور الأمر ، ومن أنكر فباللسان دون الجنان ، كما قال تعالى : « لا رَيْبَ فِيهِ » (٢) أي ليس محلا للريب.
الثاني : أن المراد أن كل من يزعم أنه يفرط في مدحه ويبالغ فيه فليس
__________________
(١) سورة الشمس : ٥.
(٢) سورة البقرة : ٢.