بإذني من النار لم تكلم النار منهم كلما ولم تؤثر فيهم أثرا فلما رآهم أصحاب الشمال قالوا ربنا نرى أصحابنا قد سلموا فأقلنا ومرنا بالدخول قال قد أقلتكم فادخلوها فلما دنوا وأصابهم الوهج رجعوا فقالوا يا ربنا لا صبر لنا على الاحتراق فعصوا فأمرهم بالدخول ثلاثا كل ذلك يعصون ويرجعون وأمر أولئك ثلاثا كل ذلك يطيعون ويخرجون فقال لهم كونوا طينا بإذني فخلق منه آدم قال
______________________________________________________
وأقول : ما عرفت من التأويلات في الأخبار السابقة يمكن إجراء أكثرها في هذا الخبر كان يقال : لما كان من علم الله منهم السعادة تابعين للعقل والمقتضيات للنفس المقدس فكأنها طينتهم ، ومن علم الله منهم الشقاوة تابعين للشهوات البدنية ودواعي النفس الأمارة فكأنها طينتهم ، ولما مزج الله بينهما في عالم الشهود جرى في غالب الناس الطاعة والمعصية ، والصفات القدسية والملكات الرديئة ، فما كان من الخيرات فهو من جهة العقل والنفس وهما طينة أصحاب اليمين وإن كان في أصحاب الشمال ، وما كان من الشرور والمعاصي فهو من الأجزاء البدنية التي هي طينة أصحاب الشمال وإن كان في أصحاب اليمين ، ويمكن أيضا أن يقال : المعنى أن الله تعالى لما قرر في خلقة آدم عليهالسلام وطينته دواعي الخير والشر وعلم أنه يكون في ذريته السعداء والأشقياء وخلق آدم عليهالسلام مع علمه بذلك فكأنه خلط بين الطينتين ، ولما كان أولاد آدم مدنيين بالطبع لا بد لهم في نشأة الدنيا من المخالطة والمصاحبة ، فالسعداء يكتسبون الصفات الذميمة من مخالطة الأشقياء وبالعكس.
فلعل قوله : من لطخ أصحاب الشمال ومن لطخ أصحاب اليمين إشارة إلى هذا المعنى ، ولما كان السبب الأقوى في اكتساب السعداء صفات الأشقياء ، استيلاء أئمة الجور وأتباعهم على أئمة الحق وأتباعهم ، وعلم الله أن المؤمنين إنما يرتكبون الآثام لاستيلاء أهل الباطل عليهم وعدم تولي أئمة الحق لسياستهم فيعذرهم بذلك ، ويعفو عنهم ويعذب أئمة الجور وأتباعهم بتسببهم لجرائم من خالطهم مع ما يستحقون من جرائم أنفسهم.