عز وجل أربعين يوما إلا زهده الله عز وجل في الدنيا وبصره داءها ودواءها فأثبت الحكمة في قلبه وأنطق بها لسانه ثم تلا : « إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ » (١) فلا ترى صاحب بدعة
______________________________________________________
يوجب البعد عن الله تعالى ، ودواؤها ما يوجب تركها واجتنابها من الرياضات والمجاهدات والتفكرات الصحيحة وأمثالها ، أو المراد بدائها الأمراض القلبية الحاصلة من محبة الدنيا ، ودواؤها ملازمة ما يوجب تركها ، وقيل : أي قدر الضرورة منها والزائد عليه أو ميل القلب إليها وصرفه عنها أو الضار والمنافع منها في الآخرة أعني الطاعة والمعصية والحكمة العلوم الحقة الواقعية وأصلها ومنبعها معرفة الإمام ولذا فسرت بها كما مر.
وفي مناسبة ذكر الآية لما تقدم إشكال ، ويمكن أن يقال في توجيهه وجوه :
الأول : ما خطر بالبال وهو أنه لما ذكر فوائد إخلاص الأربعين وقد أبدع جماعة من الصوفية فيها ما ليس في الدين ، دفع عليهالسلام توهم شموله لذلك بالاستشهاد بالآية ، وأنها تدل على أن كل مبتدع في الأحكام ومفتر على الله ورسوله في حكم من الأحكام ذليل في الدنيا والآخرة ، لقوله تعالى : « كَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ » وقوله : أو مفتريا أي لا ترى مفتريا ، وبعبارة أخرى لما كان صحة العبادة وكما لها مشترطة بأمرين : الأول ، كونها على وفق السنة ، والثاني : كونها خالصة لوجه الله تعالى ، فأشار أولا إلى الثاني ، وثانيا إلى الأول ، فتأمل.
الثاني : ما قيل أن الوجه في تلاوته عليهالسلام الآية التنبيه على أن من كانت عبادته لله تعالى واجتهاده فيها على وفق السنة بصره الله عيوب الدنيا فزهده فيها ، فصار بسبب زهده فيها عزيزا لأن المذلة في الدنيا إنما تكون بسبب الرغبة فيها ، ومن كانت عبادته على وفق الهوى أعمى الله قلبه عن عيوب الدنيا ، فصار بسبب رغبته فيها ذليلا ، فأصحاب البدع لا يزالون أذلاء صغارا ، ومن هنا قال الله في متخذي العجل ما قال.
__________________
(١) سورة الأعراف : ١٥١.