والحديث موجّه للمسلمين كافّة إلى يوم القيامة ـ كما ترى ـ حيث لا نبي بعده صلىاللهعليهوآلهوسلم فنحن بإزاء هذا الحديث بين أمرين لا ثالث لهما : إمّا أن يكون الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم عرّف لنا هؤلاء الأئمّة المستمرّين على امتداد الزمان بعد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى يوم القيامة فقد ثبت المطلوب ، أولم يقم بذلك ، ومعناه أنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم أوقعنا في ميتة الجاهليّة ، وحاشاه صلىاللهعليهوآلهوسلم فثبت الأمر الأوّل.
ومن أوضح الروايات التي تؤكّد هذه الحقيقة ما جاء في صحيح البخاري ومسلم : « لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي من الناس اثنان » (١) ونفس النصّ ورد أيضاً في مسند أحمد (٢) ، ونفسه ورد في سنن البيهقي (٣) ، وغيرها من المصادر الحديثية ، ممّا يؤكّد أنّ الإمامة ممتدّة طالما وجد بشر ، وأنّ وجوب معرفة الإمام متوجّه إلى كلّ مكلّف ، ويجب أن يبحث عنه ، وإلاّ مات على غير الإسلام إذا لم يكن قاصراً ، وقد تبيّن ممّا سبق أنّ الإمامة الركن الأصيل في الدين ، حيث قلنا : إنّه لولا الإمامة لذهب جهد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ضياعاً ، والعلّة المقتضية لوجودها لم تزل ، فلو عرج الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى الملأ الأعلى ، ولم يبيّن لنا الأئمّة الهادين بعده لم يكن الدين كاملاً ، بل يكون قد جرّد من محتواه ، وفقد حياته ، وأصبح مدعاة للضلال والاختلاف.
_____________________
(١) صحيح البخاري ٤ : ١٥٥ ، صحيح مسلم ٦ : ٢.
(٢) مسند أحمد بن حنبل ٢ : ٢٩ ، ٩٣ ، ١٢٨.
(٣) السنن الكبرى ٣ : ١٢١.