تتناقله الأجيال من جيل لآخر ، يستمدون منه أعمق مشاعر الحب لله ، وحق الإنسان في الكرامة والرّفعة ، والاعتراف بحقوقه المقدسة.
وفيما يتصل بحق الجِوار ، فقد جاء فيها : « وحقّ جارك فحفظه غائباً، وإكرامه شاهداً ، ونصرته إذا كان مظلوماً ، ولا تتبع له عورة ، فإن علمت عليه سوءاً سترته عليه ، وإن علمت أنّه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه ، ولا تسلمه عند شدائده ، وتقيل عثرته ، وتغفر ذنبه ، وتعاشره معاشرة كريمة ، ولا تدّخر حلمك عنه إذا جهل عليك ، ولا تخرج أن تكون سلماً له، ترد عنه لسان الشتيمة ، وتبطل فيه كيد حامل النميمة. ولا حول ولا قوة إلاّ بالله » (١).
هذه الفقرة من رسالة الحقوق المنسوجة بلغة قوية الإيحاء ، نجد فيها نظرة أعمق وأرحب لحقوق الجّار ، فهي ترسم علاقة تكاملية بين المتجاورين ، وتعقد بينهم أواصر أُخوّة حقيقية. فنلاحظ أنّ للجّار حق الحفظ في غيبته ، وحق الإكرام في إقامته ، وحق النصرة عند مظلوميته ، وفوق ذلك له حقوق إضافية منها : حق الستر ، والنصيحة ، والمغفرة ، والمعاشرة الحسنة.
وقد تناول شارح رسالة الحقوق هذه الفقرة مبيناً أنّ الإسلام قد اعتنى بحق الجار وجعله عظيماً ، يكاد يكون ـ حسب تعبيره ـ من أعظم الحقوق الإنسانية ، واستدل على ذلك بوصايا جبريل عليهالسلام المتكررة للرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم حول الجار ، وبالآية المتقدمة من سورة النساء ، ثم استأنف قائلاً : ( وعلى هذا فالوصاية بالجار مأمور بها مندوب إليها مسلماً كان أو كافراً.
__________________
(١) شرح رسالة الحقوق ، القبانچي ٢ : ١٦٩.