والإحسان قد يكون بمعنى المواساة ، وقد يكون بمعنى حسن العشرة وكف الأذى والمحاماة دونه ، فيحسن أن يتعاون الجاران ويكون بينهما الرحمة والاحسان ، فاذا لم يُحسن أحدهما إلى الآخر فلا خير فيهما لسائر الناس ـ إلى أن قال : ـ على هذا المنهج القويم من القرآن ، وهذا الأسلوب المنير من السنة ، سار الإمام زين العابدين عليهالسلام في هذا الفصل من رسالته الخالدة في التنويه بحق الجار والعناية والاهتمام به ، أَلا تنظر إليه قائلاً : « وحق جارك حفظه غائباً وإكرامه شاهداً ونصرته إذا كان مظلوماً .. ». يعني : يجب حفظه إذاً ... بمعنى ان لا يخونه وأن يكون أميناً على ما ائتمنه عليه ، وإكرامه واحترامه والحفاوة به إذا حضر ، ونصره ومعونته إذا ألمَّ به خطب أو نزل به ضرٌّ.
ويجب على ما قرّره عليهالسلام ستره ما أمكن ، فالله يحب الساترين ، ويكره الفضيحة والافشاء ، ويكره التجسس والمراقبة ، فإن ظهر على الجار شيء ما مِن دون تجسس أو مراقبة ، فعلى جاره أن يكتم كل ما عرف ، وأن يكون حصناً حصيناً لهذا السر الذي بيده مفتاحه. ويجب أن ينصره إذا سمع عليه مقالة سوء ، ويكره الله أن يستمع إلى قوم ينوشون جاراً بالسوء وفسق اللِّسان وهو عنهم راض ، وأن يقيل عثرته ، وينهضه من كبوته ، ويُغضي عن بعض ما قد يسوء من أعماله ، فان الإنسان معرّض للخطأ ، وأن يمنعه ، ويذود عنه ، ويدفع كل ما يضر به ) (١).
وهنا يبدو من الضروري بمكان ، الإشارة إلى أن أئمة أهل البيت عليهمالسلام لم يختص تميّزهم عن غيرهم بنظرتهم العميقة لمعنى الجوار ، وهو الصبر
__________________
(١) شرح رسالة الحقوق ، القبانچي ٢ : ١٩١.