هذا الموقف الذي يستحق الإعجاب والتقدير ، يكشف العمق السلوكي لروّاد مدرسة أهل البيت عليهمالسلام ، ويعطي درساً لا ينسى في وجوب رعاية حقوق وحرمة الوالدين.
وتجدر الاشارة إلى أن الإمام زين العابدين عليهالسلام كان يدعو لوالديه ، ويشير إلى عظم حقهما عليه ، فيقول : « يا الهي أين طول شغلهما بتربيتي ؟ وأين شدة تعبهما في حراستي ؟ وأين إقتارهما على أنفسهما للتوسعة عليّ هيهات ما يستوفيان مني حقهما ، ولا أدرك ما يجب عليَّ لهما ، ولا أنا بقاضٍ وظيفة خدمتهما » (١).
وفي دعاء آخر تضمنته الصحيفة السجادية ، يقول عليهالسلام : « اللّهم اجعلني أهابهما هيبة السّلطان العسوف ، وأبرّهما برّ الأم الرّؤوف ، واجعل طاعتي لوالديّ وبرّي بهما أقرّ لعيني من رقدة الوسنان ، وأثلج لصدري من شربة الظّمآن حتّى أُوثر على هواي هواهما » (٢).
وقد سلك بقية الأئمة عليهمالسلام هذا المسلك نفسه ، وعملوا على استئصال كلّ ما من شأنه الحطّ من مكانة الوالدين ، ومن الشواهد الدالة على ذلك : عن ابراهيم بن مهزم قال : خرجت من عند أبي عبدالله عليهالسلام ليلةً ممسياً فأتيت منزلي بالمدينة وكانت أُمّي معي ، فوقع بيني وبينها كلام فأغلظت لها. فلمّا أن كان من الغد صلّيت الغداة وأتيت أبا عبدالله عليهالسلام ، فلما دخلت عليه ، قال لي مبتدئاً : « يا أبا مهزم ، مالك ولخالدة أغلظت في كلامها البارحة ؟ أما علمت أنّ بطنها منزل قد سكنته ، وأنّ حجرها مهد قد غمزته ،
__________________
(١) التفسير الكاشف ـ محمد جواد مغنيَّه ـ ٢ : ٣٢١ ـ دار العلم للملايين ط ٣.
(٢) الصحيفة السجادية الكاملة : ١٣٢ دعاء ٢٦ ، نشر وتحقيق مؤسسة الإمام المهدي (عج) ط ١.