وهذا مشفوع له فلا يعاقب ، كالتّائب المقبولة توبته ، فهو قبل التوبة مستحق للعقوبة ، وبالتوبة يشمله العفو والغفران الإلهي ، فالمذنب لم يغير بتوبته علم الله تعالى ولا إرادته ، بل غير نفسه وبدل سلوكه وصار كمن لا ذنب له ، فتغير لذلك الحكم الإلهي بتغير الموضوع ، فالحكم الإلهي ثابت لم تيغير وإنما تغير الموضوع ، ولكل موضوع حكمه الخاص.
وبكلمة موجزة :
شفاعة الشَّفيع عند السلطان تغير الموضوع ، وتغير حكم السلطان ، ولكن شفاعة الشفيع عند الله تعالى تغير الموضوع فقط ، وحكمه تعالى وإرادته وعلمه ، كل ذلك ثابت لا يتغير.
ثم إن الشفاعة أمر متعارف بين الناس ، وعليه سيرة العقلاء ، وهي ما تسمى اليوم بـ « الوساطة » ، فالضعيف يجعل القوي يتوسط له في قضاء حاجته عند الحاكم والسلطان وفي الدوائر الحكومية ، ولكن هناك فرق بين شفاعة أهل الدنيا وشفاعة الأولياء الصالحين.
فالشفاعة في عالم الناس اليوم قد تكون وسيلة إصلاحية تربوية ، يعود بها المشفوع له إلى جادة الصواب ، وقد تكون وسيلة لارتكاب المزيد من المعاصي والتشجيع عليها.
ولكن الشفاعة بمفهومها الديني لا تكون إلا وسيلةً إصلاحية تدعو إلى الخير وعدم اليأس من رحمة الله بارتكاب معصية قد سولت له نفسه جنايتها في وقت من الأوقات.
فالشفاعة عامل إيجابي يدفع الخلق إلى الصلاح ، ولا يجرئهم على ارتكاب المزيد من المعاصي.