وهي الدولة تدور عليهم ، وكما أن الدائرة من الجائز أن تصيبهم من غير اليهود والنصارى فيتأيدوا بنصرة الطائفتين بأخذهما أولياء النصرة كذلك يجوز أن تصيبهم من نفس اليهود والنصارى فينجو منها باتخاذهما أولياء المحبة والخلطة.
والولاية بمعنى قرب المحبة والخلطة تجمع الفائدتين جميعا أعني فائدة النصرة والامتزاج الروحي فهو المراد بالآية ، وسيجيء ما في القيود والصفات المأخوذة في الآية الأخيرة : « يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ » ، من الدلالة على أن المراد بالولاية هاهنا ولاية المحبة لا غير.
وقد أصر بعض المفسرين على أن المراد بالولاية ولاية النصرة وهي التي تجري بين إنسانين أو قومين من الحلف أو العهد على نصرة أحد الوليين الآخر عند الحاجة ، واستدل على ذلك بما محصله أن الآيات ـ كما يلوح من ظاهرها ـ منزلة قبل حجة الوداع في أوائل الهجرة أيام كان النبي صلىاللهعليهوآله والمسلمون لم يفرغوا من أمر يهود المدينة ومن حولهم من يهود فدك وخيبر وغيرهم ، ومن ورائهم النصارى وكان بين طوائف من العرب وبينهم عقود من ولاية النصرة والحلف ، وربما انطبق على ما ورد في أسباب النزول أن عبادة بن الصامت من بني عوف بن الخزرج تبرأ من بني قينقاع لما حاربت رسول الله صلىاللهعليهوآله وكان بينه وبينهم ولاية حلف ، لكن عبد الله بن أبي رأس المنافقين لم يتبرأ منهم وسارع فيهم قائلا : ( نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ ).
أو ما ورد في قصة أبي لبابة لما أرسله رسول الله صلىاللهعليهوآله ليخرج بني قريظة من حصنهم وينزلهم على حكمه ، فأشار أبو لبابة بيده إلى حلقه : أنه الذبح.
أو ما ورد أن بعضهم كان يكاتب نصارى الشام بأخبار المدينة ، وبعضهم كان يكاتب يهود المدينة لينتفعوا بمالهم ولو بالقرض.
أو ما ورد أن بعضهم قال : إنه يلحق بفلان اليهودي أو بفلان النصراني إثر ما نزل بهم يوم أحد من القتل والهزيمة.
وهؤلاء الروايات كالمتفقة في أن القائلين : « نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ » كانوا هم المنافقين ، وبالجملة فالآيات إنما تنهى عن المحالفة وولاية النصرة بين المسلمين وبين اليهود والنصارى.
وقد أكد ذلك بعضهم حتى ادعى أن كون الولاية في الآية بمعنى ولاية المحبة والاعتماد مما تتبرأ منه لغة الآية في مفرداتها وسياقها كما يتبرأ منه سبب النزول والحالة العامة التي كان عليها المسلمون والكتابيون في عصر التنزيل.