وكيف يصح حمل الآية على النهي عن معاشرتهم والاختلاط بهم وإن كانوا ذوي ذمة أو عهد ، وقد كان اليهود يقيمون مع النبي صلىاللهعليهوآله ومع الصحابة في المدينة ، وكانوا يعاملونهم بالمساواة التامة ( انتهى ما ذكره ملخصا ).
وهذا كله من التساهل في تحصيل معنى الآية أما ما ذكروه من كون الآيات نازلة قبل عام حجة الوداع وهي سنة نزول سورة المائدة فمما ليس فيه كثير إشكال لكنه لا يوجب كون الولاية بمعنى المحالفة دون ولاية المحبة.
وأما ما ذكروه من أسباب النزول ودلالتها على كون الآيات نازلة في خصوص المحالفة وولاية النصرة التي كانت بين أقوام من العرب وبين اليهود والنصارى. ففيه ( أولا ) أن أسباب النزول في نفسها متعارضة لا ترجع إلى معنى واحد يوثق ويعتمد عليه ، و ( ثانيا ) أنها لا توجه ولاية النصارى وإن وجهت ولاية اليهود بوجه إذ لم يكن بين العرب من المسلمين وبين النصارى ولاية الحلف يومئذ ، و ( ثالثا ) أنا نصدق أسباب النزول فيما تقتضيها إلا أنك قد عرفت فيما مر أن جل الروايات الواردة في أسباب النزول على ضعفها متضمنة لتطبيق الحوادث المنقولة تاريخا على الآيات القرآنية المناسبة لها ، وهذا أيضا لا بأس به.
وأما الحكم بأن الوقائع المذكورة فيها تخصص عموم آية من الآيات القرآنية أو تقيد إطلاقها بحسب اللفظ فمما لا ينبغي التفوه به ، ولا أن الظاهر المتفاهم يساعده. ولو تخصص أو تقيد ظاهر الآيات بخصوصية في سبب النزول غير مأخوذة في لفظ الآية لمات القرآن بموت من نزل فيهم ، وانقطع الحجاج به في واقعة من الوقائع التي بعد عصر التنزيل ، ولا يوافقه كتاب ولا سنة ولا عقل سليم.
وأما ما ذكره بعضهم : « أن أخذ الولاية بمعنى المحبة والاعتماد خطأ تتبرأ منه لغة الآية في مفرداتها وسياقها كما يتبرأ منه أسباب النزول والحالة العامة التي كان عليها المسلمون والكتابيون في عصر التنزيل » فمما لا يرجع إلى معنى محصل بعد التأمل فيه فإن ما ذكره من تبري أسباب النزول وما ذكره من الحالة العامة أن تشمل الآيات ذلك وتصدق عليه إذا لم يأب ظهور الآية من الانطباق عليه ، وأما قصر الدلالة على مورد النزول والحالة العامة الموجودة وقتئذ فقد عرفت أنه لا دليل عليه بل الدليل ـ وهو حجية الآية في ظهورها المطلق ـ على خلافه فقد عرفت أن الآية مطلقة من غير دليل على تقييدها فتكون حجة في المعنى المطلق ، وهو الولاية بمعنى المحبة.