فطلوع الشمس وحده بالنسبة إلى الإضاءة بمنزلة لوح المحو والإثبات ، وطلوعها مع حلول وقته وعدم أي حائل مفروض بينها وبين الأرض بالنسبة إلى الإضاءة بمنزلة أم الكتاب المسمى باللوح المحفوظ.
فالتركيب الخاص الذي لبنية هذا الشخص الإنساني مع ما في أركانه من الاقتضاء المحدود يقتضي أن يعمر العمر الطبيعي الذي ربما حددوه بمائة أو بمائة وعشرين سنة وهذا هو المكتوب في لوح المحو والإثبات مثلا غير أن لجميع أجزاء الكون ارتباطا وتأثيرا في الوجود الإنساني فربما تفاعلت الأسباب والموانع التي لا نحصيها تفاعلا لا نحيط به فأدى إلى حلول أجله قبل أن ينقضي الأمد الطبيعي ، وهو المسمى بالموت الاخترامي.
وبهذا يسهل تصور وقوع الحاجة بحسب ما نظم الله الوجود إلى الأجل المسمى وغير المسمى جميعا ، وأن الإبهام الذي بحسب الأجل غير المسمى لا ينافي التعين بحسب الأجل المسمى ، وأن الأجل غير المسمى والمسمى ربما توافقا وربما تخالفا والواقع حينئذ هو الأجل المسمى البتة.
هذا ما يعطيه التدبر في قوله : « ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ » وللمفسرين تفسيرات غريبة للأجلين الواقعين في الآية :
منها : أن المراد بالأجل الأول ما بين الخلق والموت والثاني ما بين الموت والبعث ، ، ذكره عدة من الأقدمين وربما روي عن ابن عباس.
ومنها : أن الأجل الأول أجل أهل الدنيا حتى يموتوا ، والثاني أجل الآخرة الذي لا آخر له ، ونسب إلى المجاهد والجبائي وغيرهما.
ومنها : أن الأجل الأول أجل من مضى ، والثاني أجل من بقي من سيأتي ، ونسب إلى أبي مسلم.
ومنها : أن الأجل الأول النوم ، والثاني الموت.
ومنها : أن المراد بالأجلين واحد ، وتقدير الآية الشريفة : ثم قضى أجلا وهذا أجل مسمى عنده.
ولا أرى الاشتغال بالبحث عن صحة هذه الوجوه وأشباهها وسقمها يسوغه