المعلوم عند الله الذي لا يتخطاه حياة الإنسان الدنيوية كما قال : « فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ » : ( الأعراف : ٣٤ ).
وإنما جعل قضاء الأجل المسمى غاية لأنه تعالى أسرع الحاسبين ، ولو لا تحقق قضاء سابق لأخذهم بسيئات أعمالهم ووبال آثامهم ، كما قال : « وَما تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ » : ( الشورى : ١٤ ) والقضاء السابق هو الذي يشتمل عليه قوله تعالى في قصة هبوط آدم عليهالسلام : « وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ » : ( الأعراف : ٢٤ ).
فالمعنى أن الله يتوفاكم بالليل والحال أنه يعلم ما كسبتم في النهار من السيئات وغيرها لكن لا يمسك أرواحكم ليديم عليها الموت بل يبعثكم في النهار بعد التوفي لتقضى آجالكم المسماة ثم إليه مرجعكم بنزول الموت والحشر فينبئكم بما كنتم تعملون.
قوله تعالى : « وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ » قد تقدم الكلام فيه في تفسير الآية ١٧ من السورة.
قوله تعالى : « وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً » إلخ ، إطلاق إرسال الحفظة من غير تقييد لا في الإرسال ولا في الحفظة ثم جعله مغيا بمجيء الموت لا يخلو عن دلالة على أن هؤلاء الحفظة المرسلين شأنهم حفظ الإنسان من كل بلية تتوجه إليه ومصيبة تتوخاه ، وآفة تقصده فإن النشأة التي نحن فيها نشأة التفاعل والتزاحم ، ما فيه من شيء إلا وهو مبتلى بمزاحمة غيره من شيء من جميع الجهات لأن كلا من أجزاء هذا العالم الطبيعي بصدد الاستكمال واستزادة سهمه من الوجود ، ولا يزيد في شيء إلا وينقص بنسبته من غيره فالأشياء دائما في حال التنازع والتغلب ، ومن أجزائه الإنسان الذي تركيب وجوده ألطف التراكيب الموجودة فيه وأدقها فيما نعلم فرقباؤه في الوجود أكثر وأعداؤه في الحياة أخطر فأرسل الله إليه من الملائكة حفظة تحفظه من طوارق الحدثان وعوادي البلايا والمصائب ولا يزالون يحفظونه من الهلاك حتى إذا جاء أجله خلوا بينه وبين البلية فأهلكته على ما في الروايات.
وأما ما ذكره في قوله : « إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ » : ( الانفطار : ١٢ ) فإنما يريد به الحفظة على الأعمال غير أن بعضهم أخذ الآيات مفسرة لهذه الآية ، والآية وإن لم تأب هذا المعنى كل الإباء لكن قوله : « حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ »